أربعون عاماً مثمراً على انطلاق سياسة الإصلاح الصينية

يمر اليوم على انطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين أربعون عاماً لم يتخلى الحزب الشيوعي الصيني فيها عن اشتراكيته ولم يتجاهل ضرورات السوق العالمية والاستفادة من النظريات العالمية
ففي عام 1978م دخلت جمهورية الصين الشعبية مرحلة البناء والتطور في ظل تحديات كثيرة ومتشعبة،. والبداية كانت من الأفكار الداعية للإصلاح الاقتصادي بما يحافظ على الهوية الصينية. فنشأت أفكار وتيارات كثيرة كانت الغلبة فيها لتيار “دينغ هيسياو بينغ” وأفكاره في الإصلاح، عبر طرح برنامج “التحديثات الأربعة”
وانطلقت التنمية في البلاد بشكل متواز وضع المزارعين في أولى أهدافه واهتم بتنمية المناطق الفقيرة ومحاربة الفقر
وفي الخطوات الاساسية كانت المناطق الساحلية الصينية هي الهدف الأول عبر فتح مناطق اقتصادية خاصة، كان أوّلها عام 1979 في منطقة “شينزين” وتبعها مناطق في “تشوهاي” و “شانتو” و “شيامين” وبعدها تتالت المناطق لتتجاوز (14) منطقة في أماكن متفرقة من الصين. كان الهدف الاول من إنشاء هذه المناطق والأقاليم هو تحويلها الى بؤرة اقتصادية وصناعية تدفع حركة الصادرات الى الأمام وتحفز عملية التنمية في المناطق المجاورة لها -لاسيما الأكثر فقرا- ممثلة بذلك خطوات أولية لهدف تحقيق التنمية الشاملة في كل الجغرافيا الصينية.
تطورات جعلت من الصين احدى الدول النادرة التي تجاوزت الازمة الاقتصادية العالمية عام 2008 بل تحولت محجا للاستثمار لتصل اليوم الى قمة الاقتصاد العالمي دون ان تتجاهل بنيتها الاشتراكية المركزية
لتجد نفسها اليوم أمام تحد جديد؛ بين المحافظة على مكاسب تنميتها وريادتها العالمية في التجارة من جهة، وتحقيق تنمية أكثر استدامة وقدرة على المنافسة الدولية من جهة أخرى. ومن يتتبع سير الأحداث والمستجدات السياسية والاقتصادية في الصين لاسيما منذ بداية عام 2018، يدرك عمق وتصميم الصين على المضي قدما لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والتي عبر عنها الرئيس الصيني “شي جين بينغ” بكل وضوح عبر أفكاره “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الحديث” والتي تسعى للتطور الذي يضمن مستويات أعلى من التنمية المستدامة والانفتاح الشامل وما يتطلبه ذلك من تعاون مع الدول الأخرى لتحرير التجارة الدولية وفق مبدأ الفوز المشترك.
من هنا فإن الصين، تحاول فهم ومجارات والتأثير في سوق التجارة الدولية. وهو ما يفسر اليوم تغيراتها الكبيرة الساعية للتخلص من الاعتماد على الموارد والأيدي العاملة الكثيفة، والتحول من دولة مصنعة للمنتجات إلى دولة مبتكرة، سعيا لزيادة القيمة المضافة لمنتجاتها التصديرية، وبالتالي تحسين جودة المنتجات الصناعية المصدرة وزيادة عددها وقوتها التنافسية، وتوسيع مجال الخدمات المصدرة إلى الخارج. لذلك فقد سعت الصين مؤخراً لبناء ما يعرف اليوم بمناطق التجارة الحرة التجريبية، وفي نظرة أكثر عمقا لهذه المناطق يمكن التوقع أن الاقتصاد الصيني سيذهب بعيداً في معدلات التنمية إذا ما نجحت هذه المناطق من تحقيق أهدافها.
وفي عام 2013 أسست الصين في “شانغهاي” أول مناطقها التجريبية للتجارية الحرة، وتبعها فيما بعد العديد من المناطق: في مقاطعات ” تيانجين”، “قوانغدونغ”، “فوجيان”، “جيانغسو”، “قوانغشي”، “لياونينغ”، “تشجيانغ”، “خنان هوبي”، “سيتشوان”، “شنشي”، وأخيرا “تشونغتشينغ”. التي ستلعب دوراً نموذجياً لتطبيق التخطيط الاستراتيجي والإصلاح الإقليمي، فهي تشترك بأهداف عامة تصب في مستقبل الصين الاقتصادي، لكنها تختلف عن بعضها في المهمات. فلكل منها تسهيلات وفق خصائصها وبالتالي عليها واجبات ضمن إقليمها؛ حسب حاجاته التنموية.
النهوض الصيني اليوم بات تجربة اقتصادية سياسية تستحق الوقوف عندها ودراستها بشكل أكثر تعمقاً بما يخدم الاستفادة منها ومن خصوصيتها دون التناسي أنها تبقى كتجربة خاصة.

العدد 1104 - 24/4/2024