تنقّل الإرهاب من مدينة إلى أخرى

هلاَّ صمتت البنادق قبل أن ندمر سورية التآخي!

غطرسة العثمانية الجديدة لن ترهبنا  التحول نحو التعددية السياسية خيار سوري

 

 كيف احتكموا إلى السلاح.. ولماذا؟!أي خلاف تحله البندقية، ويعجز الحوار عن حله؟! مَن اختار البندقية بديلاً عن الاحتجاج والعمل السياسي ؟مَن يحاول تلقيننا أبجديات لغة طائفية مقيتة.. غريبة عن لغتنا الجامعة؟ مَن يخدم هذا التوجه.. مَن المنتصر.. ومن الخاسر الأكبر؟!

أسئلة كبرى ينبغي على السوريين- وهم المولعون بالسياسة- الإجابة عنها قبل أن يتحولوا إلى دمى تحركها خيوط يمسك بها لاعبون في الداخل والخارج.

في إرثنا السياسي السوري، دفعنا منذ الاستقلال، ثمناً باهظاً كي تبقى بلادنا عزيزة الجانب موفورة الكرامة،  وكي يبقى شعبنا بأطيافه المتعددة منيعاً تجاه الفتنة الطائفية القذرة.اتفقت أحزابنا الوطنية.. واختلفت،  لكنها لم تلجأ يوماً إلى حمل البندقية لحسم خلافاتها، بل حمل أبناء شعبنا بنادقهم للدفاع عن سورية في وجه من أراد سلبها استقلالها في خمسينيات القرن الماضي، وساروا إلى مشارف عاصمتهم للدفاع عنها إثر عدوان حزيران عام ،1967 ووضعوا أنفسهم احتياطاً لجيشنا الوطني في حرب تشرين الوطنية عام ،1973 فما بال بعضنا اليوم يصدق الكذبة الكبرى.. ويرمي بإرثنا السياسي الوطني إلى المحرقة ؟!

وكما كانت الديمقراطية هاجس بعضنا،  كان الخبز والعمل والأمن هاجس بعضنا الآخر، ولكلٌّ مبرراته التي لاتعني الفصل بينهما بسور صيني، لكن مأثرة شعبنا الكبرى.. وهاجسه الأول كان رفض تسلل.. وهيمنة الإمبريالية الأمريكية ومشاريعها الواحد تلو الآخر لإعلاء كلمة الصهيونية في المنطقة، وضمان الهيمنة الأبدية على ثرواتها.فكيف نصدق اليوم أن هذه الإمبريالية تسعى إلى تقدم بلادنا.. وسعادة شعبنا، بعد تجاربنا المريرة معها خلال العقود الماضية، وبعد أن أعلن أوباما على الملأ وجهها القبيح حين طالب بكلمته أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير بعزل كارهي الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل؟!كيف يصدق البعض أننا نحن السوريين (أمانة) السلاطين لدى أردوغان المهووس بأمجاد أجداده، وساحة المرجة.. وشهداء المشانق شاهد على تلك (الأمجاد).

من يسعى جاهداً لتنفيذ السيناريو الليبي.. وربما السيناريو الأفغاني في سورية لن يحصد إلاّ الخذلان، فسورية ليست ليبيا.. ليست أفغانستان، ومن يعمل لغسل دماغ السوريين للالتحاق بأنظمة سلفية تتمترس خلف شعارات ليبرالية واهية خاسر لا محالة، فما كنا يوماً إلاّ دعاة للتقدم والتطور والفكر المتنور المعادي لكل أشكال التعصب والسلفية والظلام.

صحيح أن السلطة تأخرت كثيراً في استيعاب حقيقة مثبتة في تجارب الشعوب: إن التفرد مخالف للمنطق السياسي والاجتماعي، فما من حزب أو فئة تمتلك مشروعية لقيادتها بعيداً عن موافقة الهيئة الاجتماعية عبر صناديق الاقتراع، وكانت ذرائعه لتبرير تأجيل تلبية الحقوق السياسية للمواطن غير مقنعة، لكن الصحيح أيضاً أن التغيير المنشود نحو التعددية وقوننة الحياة السياسية وفق رغبات المواطن السوري لايستلزم بالضرورة اللجوء إلى العنف.. وحمل السلاح.. واستحضار (المجاهدين) وغرْف المليارات من الخزائن القطرية والسعودية المشرعة على مصاريعها،  وطلب التدخل العسكري الخارجي، والالتحاق بأمراء التكفير.. ومشايخ الفتنة الطائفية السوداء، وزرع المدن والمناطق السورية بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة بالمواد المتفجرة.. بالحقد التكفيري،  المتسلل بتسهيل ودعم وتمويل من (الديمقراطيين) الخليجيين والعثمانيين الجدد،  لتحصد أرواح المواطنين السوريين الأبرياء.

لقد مهدت القوانين السياسية الجديدة-وإن كانت بعض موادها لاتستجيب لمقتضيات الديمقراطية- الطريق لبدء التحول نحو التعددية السياسية والاقتصادية، لكن إصدار هذا القوانين يضعنا في منتصف الطريق، أما الوصول إلى نهاية المشوار الديمقراطي فيتطلب مواجهة من ستتضرر مصالحهم ومواقعهم من عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.من عششوا في زواريب اللون الأوحد.. والرأي الأوحد، فهم لن يتحملوا الانفتاح نحو الآخر الوطني،  فبعض هؤلاء يحاربون الإصلاح بمنطق الإصلاح،  إذ يرفعون شعار التغيير لكنهم أعداء التغيير، وهم لن يتورعوا عن التحالف مع الشيطان لإيقاف عملية التحول الديمقراطي.

السوريون قالوا كلمتهم.آن أوان التغيير السلمي السياسي والاجتماعي والاقتصادي،  استغلها البعض في الداخل لصبّ الزيت في أتون فتنة نائمة منذ زمن طويل.. واستغلها الخارج فرصة لفتح حسابات قديمة،  وإحياء مشروع إقليمي خبيث يسعى إليه القطب الأوحد. لكن أكثرية السوريين قالوا كلمتهم غير عابئين إلاّ بحقيقة واحدة أصبحت راسخة في أذهانهم آن وقت التحول نحو التعددية السياسية قد حان. وهم الموعودون منذ عقود بديمقراطية تستوعب طموحهم واختلافهم وتلاقيهم وغيرتهم على بلادهم الجميلة،  وهم يعلمون أن خيارهم سيحمل الديمقراطية والتقدم والعيش المشترك لجميع أطيافهم السياسية والاجتماعية والدينية والإثنية،  ويحقق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة بدلاً من اقتصاد السوق الحر من كل القيود الحكومية والاجتماعية والإنسانية،  والذي كان سبباً رئيسياً من أسباب الغضب الشعبي الواسع الذي عبرت عنه جماهيرنا منذ بداية الأحداث في البلاد. خيارهم هذا سيقوي وحدتهم،  ويحمي وطنهم.

لتتوقف عمليات القتل.. لتصمت البنادق السورية، فاستمرار التصعيد يعني استمرار نزيف الدم السوري، يعني هدم ما بنيناه خلال عقود وعقود.أما البنادق المتسللة فنترك لجيشنا السوري التعامل معها. ولنذهب إلى حوارنا الوطني الشامل، ولنتفق على مستقبلنا الديمقراطي، ولنترك لإرادة شعبنا، لا لإرادة التحالف الأمريكي الأوربي الخليجي التركي، اختيار قيادته الوطنية، التي ستحافظ على نهجنا السياسي الوطني التحرري المعادي للإمبريالية والصهيونية، وتعمل على تحقيق المطالب الملحة لجماهيرنا، والتي يأتي في مقدمتها تحقيق مصالحة وطنية شاملة، تزيل الأحقاد، وترمم ما خربته تداعيات الأزمة اقتصادياً واجتماعياً وفي نفوس الكثيرين.

العدد 1104 - 24/4/2024