الاتفاق النووي الدولي الإيراني بداية انتصارات جنيف

أصبحت جنيف منذ فترة محط أنظار المجتمع الدولي، نظراً لتطور الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، وآخرها الملف السوري، والملف الإيراني اللذين أصبحا في الآونة الأخيرة على مسار واحد وكل واحد منهما أصبح يكمل الآخر.

فإذا استعرضنا التطورات الأخيرة التي حدثت للملفين، من عقوبات اقتصادية مشتركة ضد الشعبين السوري والإيراني، إلى الدور التحريضي الذي لعبته إسرائيل وبعض دول الخليج، وعلى رأسها الدولة الوهابية السعودية، في تأجيج نار الحرب وتحريض المجتمع الدولي لتبني فكرة الحل العسكري وشن العدوان على إيران وسورية، وتدمير البنى التحتية لكلا الدولتين، بدعم مالي وتمويل الأعمال العسكرية من السعودية وقطر ومن دار بفلكهم. إضافة إلى تقديم الأجواء الخليجية، وخاصة السعودية للطيران الإسرائيلي، للإغارة على الأراضي الإيرانية وإلحاق أكبر الأذى والأضرار في المنشآت الاقتصادية والنووية الإيرانية.. بعد هذا الاستعراض، نتلمس مخاطر الدور المعادي للسلام الذي تلعبه السعودية وإسرائيل وشركائهما العلنيين والسريين.

إلا أن ثبات الموقف الإيراني والسياسة الهادئة والدبلوماسية الإيرانية قلبت كل هذه المخططات برويّة وحنكة وذكاء، بعد فشل المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية في توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، والدور الطليعي والإيجابي للموقف الروسي.. كل ذلك أدى إلى القفز بمفاوضات جنيف بوتيرة سريعة ومفاوضات مكوكية مستمرة خلال الأسابيع الأخيرة، أدت اليوم إلى اتفاق بين إيران والدول الست الكبرى، حول المشروع النووي الإيراني، حفظ لإيران الحق في تخصيب اليورانيوم للأعمال السلمية، الذي كانت تتصارع حول هذا البند عدة سنين مع المجتمع الدولي، وقد أدى إلى تحقيق نجاح وانتصار إيراني بهذا البند الرئيسي، إضافة إلى رفع جزء من العقوبات الاقتصادية والتصدير الخارجي لإيران، وتحرير جزء من الأموال المجمدة الإيرانية كدفعة أولى مايقارب 10 مليارات دولار، واعتبار إيران دولة قوية لها الحق في استخدام النووي للأغراض السلمية.

بالمقابل يجب أن ننبه إلى الدور السيئ والمتآمر والحاقد للسعودية أولاً ولإسرائيل ثانياً، وامتعاضهما من التوصل إلى اتفاق دولي مع إيران.. فدفعت السعودية بأموالها النفطية لشراء بعض الدول الأوربية والضغط عليها للعب دور المعرقل في المفاوضات الدولية في جنيف، بعد أن يئست من التأثير، بإبدائها الامتعاض العلني من الموقف الأمريكي الداعم للتوصل إلى اتفاق لحل الأزمة الإيرانية النووية. فحاولت التأثير على الدور الفرنسي، وبرز خاصة الدور السلبي المعطل للرئيس الفرنسي هولاند ووزير خارجيته في التأخير ومحاولة تعطيل الاتفاق في الجولة قبل الأخيرة، وعمل حلف سعودي إسرائيلي بدعم فرنسي، للحيلولة دون التوصل إلى مثل هذا الاتفاق.

إلا أن إصرار المجتمع الدولي والدور الدبلوماسي الإيراني على إنهاء الأزمة النووية الإيرانية، صد كل المحاولات السعودية الإسرائيلية المستميتة لتعطيل أي اتفاق، وتراجع الموقف الفرنسي نوعاً ما، توصلاً إلى اتفاق دولي مع إيران حول إنهاء الأزمة الإيرانية الدولية، والبدء بصفحة جديدة دولياً للتعامل مع إيران بأنها دولة حساسة وذات موقع استراتيجي في المنطقة، والإعلان عن حقها في تخصيب اليورانيوم للأعمال السلمية، وبذلك يكون قد أنجز أكبر ملف متأزم وحساس في المنطقة، سيكون من نتائجه الأولى انعكاس النصر الإيراني بالمساهمة في تطوير ودفع مؤتمر جنيف 2 لحل الأزمة السورية، وإعطاء إيران الدور الرائد في المنطقة لتكون من الدول المشاركة والمساهمة في مؤتمر جنيف 2 وحل الأزمة السورية.

إن الجماهير العربية الوطنية والتقدمية والمتطلعة إلى التقدم والتحرر والسلام في منطقتنا والعالم وبالتعاون مع كل قوى التحرر والسلام العالمية، تلقت نبأ الاتفاق الدولي وحل الأزمة الإيرانية سلمياً بارتياح وفرح، مما يعزز فرص السلام والحل السياسي للأزمة السورية، والإسراع في عقد مؤتمر جنيف 2 والضغط على القوى المعارضة للذهاب إلى جنيف، والتوصل إلى حل سياسي سلمي يؤدي إلى وقف العنف وسيل الدماء السورية، وإخراج كل المسلحين الأجانب خارج الحدود السورية، والبدء بعملية التوافق لبناء سورية العلمانية الآمنة والمستقرة.

نزارالطرابلسي

جمهورية التشيك

العدد 1105 - 01/5/2024