من الصحافة العربية العدد 608

(جنيف 2) تكريس لتحالف الغرب مع الأسد ضد الإرهاب؟

ليس في العلاقات الدولية عواطف وأخلاق.. فيها مجرد مصالح.. انطبق الأمر تماماً على التفاهم الغربي – الإيراني. لم تنفع كل ضغوط إسرائيل، ولا نفع كل المال والضغط الخليجيين في ثني واشنطن عن التقارب. المبدأ نفسه سينطبق قريباً على علاقة الغرب بسورية. هكذا يبدو من التسريبات الأخيرة.

في هذه التسريبات، أن مسؤولاً أمريكياً التقى أخيراً أطرافاً معارضة سورية ناقلاً الآتي:

أولاً- يجب أن تنسوا أن تنحّي الأسد سيتم قبل (جنيف 2). ربما عليكم التعايش مع بقائه لفترة غير قصيرة في انتظار نتيجة المفاوضات التي سيجري بعضها علانية في جنيف، وكثيرها بعيداً من الأضواء في الاتصالات الأمريكية – الروسية والأمريكية – الإيرانية.

ثانياً- التفاهم الإيراني – الغربي جدّي أكثر مما يعتقد البعض. لا بد، إذاً، من الاعتياد على فكرة أن تلعب طهران دوراً في المفاوضات الإقليمية والدولية في شأن سورية. لا يمكن مطلقاً التوصل إلى أي نتيجة في سورية إذا شعرت إيران بأن ذلك يهدد مصالحها. طهران تساعد كثيراً في مكافحة الإرهاب حالياً.

ثالثاً- إن الجيش السوري يؤدي دوراً بارزاً في مكافحة الإرهاب العالمي.. من الأفضل إيجاد صيغة سريعة للتوصل إلى تفاهم بين هذا الجيش و(الجيش الحر) والأطراف المعتدلة في صفوف المسلحين. هذا بات مطلباً غربياً ملحّاً خشية توسيع قاعدة الإرهاب. أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما اتفق عليه مع الأمريكيين قبل فترة: (على السلطة والمعارضة الاتفاق على آلية لمكافحة الإرهاب).

رابعاً- يجب تجنيب لبنان انعكاسات الإرهاب، وعدم نقل المعركة إليه لسببين؛ أولهما رغبة الغرب في تحييد البلد وحمايته، وثانيهما لأن نقل المعركة إليه يعني تحويل الأنظار عمّا يحصل في سورية. النصيحة نفسها أُسديت إلى الذين كالوا في لبنان الاتهامات ضد الجيش في الفترة الأخيرة.

مورست ضغوط فرنسية كثيرة في الآونة الأخيرة على واشنطن حيال لبنان. موقف باريس يقول بضرورة التجديد للرئيس ميشال سليمان، وإن على واشنطن إقناع إيران بذلك. طهران ليست مقتنعة. تترك الأمر عادة لحليفها حزب الله.. الأسد أيضاً يتركه للسيد حسن نصرالله.

اعترض بعض الحضور على الكلام الأمريكي. سأل أحدهم: هل هذا يعني أن واشنطن والغرب باتا قابلين باستمرار الأسد في السلطة؟ الجواب واضح: (لم يغيّر الرئيس أوباما رأيه في ضرورة تنحّي الأسد، ولكن من الأفضل أن يكون ذلك نتيجة المفاوضات والانتخابات، وليس عبر عمل عسكري خارجي أو من خلال الحرب. لا بد من حل سياسي، هذا صار محور توافق دولي. ثم إن الأوّلية الآن هي لمكافحة الإرهاب). اقتناع واشنطن أن المعارضة فشلت في تشكيل قوة عسكرية غير مقلقة، فتركت الساحة ل(داعش) و(النصرة) وتوابعهما.

وصلت هذه التسريبات إلى من يعنيهم الأمر.. جاء الرد من السفير السعودي في بريطانيا.. قال محمد بن نواف بن عبد العزيز آل سعود في مقالة نشرتها (نيويورك تايمز): (إن السعودية ستقوم بكل ما بوسعها، بدعم أو من دون دعم شركائنا الغربيين.. سنستمر في دعمنا للجيش السوري الحر والمعارضة، ويجب ألا تصبح عمليات القاعدة سبباً لعدم التحرك). لا تحتمل السعودية خسارة دورها في سورية. قطر احتملت وغيّرت. قال السفير القطري كلاماً مهماً لقادة حزب الله. لن يسرّب شيء عن ذلك. لن يسرّب أي شيء أيضاً عن الوساطة التي يؤديها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بين إيران ومصر عبر الحزب.

الصحيفة نفسها طرحت قبل فترة السؤال الآتي: (هل ينبغي على الولايات المتحدة مواصلة النظر إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها قوة تساعد على إرساء الاستقرار في المنطقة، أم حليفاً خطيراً ستفضي سياسته إلى مزيد من سفك الدماء والقمع…؟). كانت الصحيفة تشير خصوصاً إلى دور السعودية في قمع الإخوان المسلمين في مصر ودعم الخيار العسكري.

هو (كلام صحف) سيقول البعض.. هذا صحيح، ولكن الأصح أن ثمة مناخاً عاماً في أمريكا بات قابلاً، لا بل مشجعاً، للتقارب مع إيران، يقابله تعاظم الاستياء من أدوار دول كالسعودية وقطر.. المناخ نفسه ينسحب على تركيا التي تستقبل بعد أسابيع قليلة الرئيس الإيراني حسن روحاني. رجب طيب أردوغان غرق الآن في فضيحة الفساد التي تهزّ حكومته.

لن تجد تركيا في الوقت الراهن أفضل من إيران لتحسين وضعها في المنطقة.. لن تجد إيران أفضل من تركيا حالياً لوقف إرسال السلاح والمسلحين إلى سورية. لن يجد الطرفان أفضل من تقاربهما للضغط المتبادل على السعودية. أليست أنقرة والرياض في حالة عداء على الأراضي المصرية حالياً بسبب الإخوان المسلمين؟

قطعت طهران شوطاً جديداً في التقارب مع دول الخليج.. استأنفت مؤخراً الرحلات مع البحرين. أليس غريباً أن تستأنفها مع دولة تعتبر المجال الأمني للسعودية، حيث انتشر (درع الجزيرة) لمنع سقوط النظام؟

خيوط اللعبة باتت أكثر وضوحاً. التصعيد الحالي بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا أعاد الخطاب الناري للرئيس فلاديمير بوتين إلى الواجهة: (إن المعضلة النووية الإيرانية تتلاشى، والدرع الصاروخية باقية في مكانها، هذا مرفوض). لافروف يلوّح بيده: (إن عقلية الحرب الباردة لا تزال متحكمة في البعض من دول الأطلسي).

من الصعب مجرد التفكير في أن واشنطن ستزيد الهوة مع موسكو في هذه الفترة العالمية الحساسة، لا بد من الضغط على الحلفاء الأوربيين لتخفيف الضغط عن أوكرانيا. لا بد من الإبقاء على خيط التفاهمات موصولاً. في هذه التفاهمات ليست موسكو وطهران في وارد التخلي عن الحليف السوري. في سياق هذه التفاهمات، أيضاً، يستمر تقاطر المسؤولين الأمنيين الغربيين إلى سورية، لعل رفع المستوى إلى مسؤولين دبلوماسيين لن يتأخر… يبدو أنه لن يتأخر.

ليس في السياسات الدولية أخلاق وثوابت، فيها مجرد مصالح. من كان يتصور أن المعارض الشيوعي السوري البارز ميشال كيلو سيصبح أبرز حلفاء السعودية والغرب، ويلعب الدور الأبرز في ضرب الإخوان المسلمين داخل الائتلاف قبل ذهابه إلى الرياض وبعده؟ السياسة مصالح، ليس غير!

سامي كليب

(الأخبار) 19/12/2013

 

في زمن (داعش) والغبراء

ما من ارتباك بين المسيحيين بشأن انتمائهم إلى المنطقة.. هم في صلب مجتمعها وتاريخها.. وباستثناء مشاريع محدودة لها مظاهرها مثلاً في أشكال شخصيات ميليشياوية لبنانية ضئيلة كان لها خطابها الانعزالي خلال الحرب الأهلية، أو في النشاط الخارجي المحاصر بالشبهة في مراميه، لبعض الأقباط في المنفى، فإن المسيحيين حسموا هويتهم: نحن في نسيج هذه الأرض.

غير أن المفارقة أن عموم المسيحيين بعدما انتفت تساؤلاتهم بشأن (من نحن).. وجدوا أنفسهم الآن في وسط حرب داحس والغبراء التي تلح عليهم بسؤال وجودي: في موجة الجاهلية العاتية هذه، أين نقف؟

في زمن (داعش) و(حاشا) و(الجهاد ضد الصليبيين) و(التكفير)، وشيطنة الأقليات، يحق للمسيحي  ولغيره  أن يعيد التذكير بمكانته هنا، وبما صنعه إسهاماً في استنهاض هذا الشرق قبل حلول هذا الظلام الدامس.

سنبحث في الحقيقة تباعاً، كما نفعل دائماً، وما إذا كانت هذه السوداوية، نتاج سنوات الأنظمة القاتمة، أم (المؤامرات الخارجية) والغزوات والاحتلالات، كما في فلسطين والعراق، التي أفرزت نزفاً مسيحياً لا ينضب، أم الزحف البربري الآتي على عواصم الحضارات في بغداد ودمشق وحلب والقاهرة وتونس. سنبحث كمسيحيين في ذلك تباعاً، لكننا الآن سنعيد التذكير بما هو أكثر من (هوامش) لحاضر هذا الشرق:

نحن عرب أقحاح. ولدنا هنا، وصنعت أيدينا أرقى المدن، قبل الإسلام، وساهمنا معه في انتشار الحضارة الإسلامية وازدهارها. نحن من الغساسنة والمناذرة قديماً. ونحن الآن من بعض هؤلاء: جرجي زيدان وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وإيليا أبو ماضي ومي زيادة وخليل السكاكيني وإميل حبيبي وتوفيق زياد ورشيد سليم الخوري وفوزي المعلوف ونسيب عريضة.

ونحن أيضاً ناصيف اليازجي وإبراهيم اليازجي وفرنسيس المراش وأديب اسحق وأحمد فارس الشدياق وشبلي الشميل وفرح أنطون ولويس شيخو وعيسى إسكندر المعلوف وخليل الخوري.

ونحن بين الأكثر عروبة وريادة.. نحن فارس الخوري وبطرس البستاني وميشال عفلق وقسطنطين زريق وجورج حبش وأنطون سعادة. ونحن أيضاً إسكندر الرياشي ونقولا الحداد ويوسف إبراهيم يزبك ورئيف خوري وفؤاد الشمالي وفرج الله الحلو وإميل توما ومكرم عبيد ووديع حداد وكمال ناصر ونايف حواتمة وإميل الغوري وإبراهيم عياد وإدوارد سعيد وروز ماري سعيد وميشال صباح وهيلاريون كبوجي وغريغوريوس حداد وإدمون رباط وجورج عشي ويوسف الخال وفؤاد رفقة وحليم بركات وكوليت الخوري ومريانا مراش وإلياس مرقص وحبيب الزيات.

ونحن كما كنا سابقاً، أبناء قبائل تغلب وكليب وربيعة ومضر وتنوخ وبكر. ونحن من السباقين إلى لغة الضاد، وصناع العلوم الأولى. نحن امرؤ القيس والأخطل وعمرو بن كلثوم وأبو تمام والأعشى وأمية بن أبي الصلت وأكثم بن صيفي وورقة بن نوفل، وإسحق بن حنين وحنين بن إسحق وابن البطريق وقسطا بن لوقا وثابت بن قرة ويعقوب بن اسحق الكندي ويوحنا بن ماسويه.

ومثلما كان هؤلاء، نحن فيروز ووديع الصافي وعاصي الرحباني وجوزف حرب ونجيب الريحاني ويوسف شاهين وجورج يمين وفيلمون وهبي وجوزف صقر وزكي ناصيف.

نحن، كما كنا وسنبقى، رواد في هذه الأرض.

خليل حرب 

(السفير)، 20/12/2013

العدد 1105 - 01/5/2024