بعد أربع سنوات.. قانون الأحوال الشخصية يعود إلى دائرة النقاش
ما زالت أصداء الرفض الشديد لمشروع الأحوال الشخصية الذي ظهر عام 2009 متداولة في أغلب الجلسات المتعلقة بتغيير القوانين، وظهر النقاش مرة أخرى اليوم حول تعديل قانون الأحوال الشخصية، في خضم الظروف الصعبة التي نعيشها، ونتساءل: هل سنخرج بقانون أسري عصري أم أن المشاكل التي تعاني منها قوانيننا لن تزول بسهولة؟؟
منذ أربع سنوات انتفضت الجمعيات التي تعمل في حقل المرأة رفضاً للمشروع الذي اعتبرته الحركة النسائية في سورية ظلامياً، لما يحمل بين طياته من تراجع في حقوق المرأة والطفل، عن القانون المعمول به، وانتهاك لحقوق الأقليات الدينية، وقد قدمت الجهات والجمعيات الناشطة في قضايا المرأة أربع مذكرات احتجاجية على (مشروع قانون الأحوال الشخصية)، وقد جاء فيها: (إن هذا المشروع قد عمل على تكريس العنف والتمييز ضد المرأة والطفل في سورية، وذلك في انتهاك واضح للدستور السوري والتزامات الحكومة السورية التي تفرض عليها عدم سن أي قانون يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها. فيما شكل هذا القانون انتهاكاً صريحاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، واتفاقية حقوق الطفل، والبروتوكولات المتعلقة.. كما أنه مشروع قانون يعتمد التمييز بين الناس في سورية على أساس انتماءاتهم الدينية والطائفية، مما يشكل انتهاكاً واضحاً وصريحاً لما يسمى (الوحدة الوطنية)، ودعوة علنية للناس للتخلي عن انتمائهم إلى وطنهم سورية، ليكون ولاؤهم المطلق لرجال دين طائفتهم ودينهم). وقدمت المذكرات حينذاك لرئيس الجمهورية وعقيلته والهيئة السورية لشؤون الأسرة والاتحاد النسائي، من قبل الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة، المبادرة النسائية ، المنتدى الفكري ، رابطة النساء السوريات، راهبات الراعي الصالح، لجنة دعم قضايا المرأة، منتدى سوريات الإسلامي، موقع الثرى الإلكتروني، موقع عشتار الإلكتروني ، موقع نساء سورية الإلكتروني.
وهي جمعيات كانت موجودة آنذاك وأكثرها دون ترخيص، لكنها أعلنت بجرأة استنكارها ورفضها للقانون الذي سُنّ مشروعه دون وجود تلك الجمعيات ودون مناصفة بين النساء والرجال الخبراء في وضع تلك المسودة..
واليوم تعود فكرة التعديل إلى العلن، لكنها تحمل هذه المرة بشرى بإمكانية التعديل وفق متطلبات العصر فوزارة العدل تنوي تعديل قانون الأحوال الشخصية السوري المعمول به منذ 60 عاماً (وضع في عام 1958) بما يلبي حاجات العصر المتطورة ولاسيما الوسائل التكنولوجية.
وقد اعتبر نقيب محامي سورية نزار السكيف أن هذه الخطوة هي بالاتجاه الصحيح، وخاصة أن القانون الحالي فيه مواد مجحفة بحق المرأة ولأطفال. موضحاً أن أهم المواد التي يجب أن يشملها التعديل المواد المتعلقة بالنفقة والحضانة، ولاسيما من ناحية إلزام الأب بتعليم أولاده في حال طلّق الأم، لافتاً إلى أنه لا يوجد في القانون مادة صريحة بهذا الصدد، لذا فإنه لا بد من وضع مادة صريحة تجبر الأب على تعليم أولاده في حالة الطلاق، مؤكداً انه لا بد من وضع مادة تجبر الزوج في حال طلق زوجته على تأمين المسكن الشرعي لها في حال العدة، وهذا غير موجود في القانون الحالي، لافتاً إلى أنه لا بد من وضع قانون لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية وأن يراعي العرف والمجتمع، وأن يتناسب مع كل الفئات والمجتمعات.
و اعتبر القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي أن تعديل قانون الأحوال الشخصية السوري أصبح ضرورة ملحة، مشدداً على ضرورة وضع مواد جديدة تتناسب مع تطورات العصر ولاسيما وسائل الاتصال مثل الزواج عبر السكايبي أو عبر الرسائل أو التليفون مشيراً إلى أن قانون الأحوال لم يذكر في مواده شيئاً عن صحة هذا الزواج وإنما أرجعها إلى الرأي الراجح في المذهب الحنفي، وفي ذلك الوقت بحسب قوله لم يكن هناك جوالات ولا سكايبي. على ضرورة تعديل المواد المتعلقة بالطلاق ولاسيما طلاق المدهوش والمخطئ، وذلك بوضع مواد صريحة تنص على مدى صحة هذه الطلاقات في حال وقوعها، باعتبار أن القانون الحالي أرجع هذا الأمر إلى الرأي الراجح في المذهب الحنفي وهذا قد يتعارض مع الكثير من أقوال الفقهاء.
وقد وضع قانون الأحوال الشخصية السوري بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1958 ويتألف من 308 مواد مقسمة على ستة أبواب، تحدث الباب الأول عن الزواج وأحكامه من الأهلية والرضا والعلنية والولاية في الزواج والكفاءة، ونص الباب الثاني على انحلال الزواج من الطلاق والمخالعة والتفريق وأحكامه، إضافة إلى الطلاق التعسفي، على حين ضم الباب الثالث الولاية ونتائجها من نسب المولود حال قيام الزوجية ونسب الولد بعد الفرقة أو وفاة الزوج إضافة إلى النسب في الزواج الفاسد والدخول بشبهة إلى جانب الحضانة والرضاع ونفقة الأقارب.
وشمل الباب الرابع الأهلية والنيابة الشرعية من تصرفات القاصر والولاية على النفس والولاية على المال، إضافة إلى صلاحيات الأوصياء والوكالة القضائية، وتحدث الباب الخامس عن الوصية وأركانها على حين ضم الباب السادس من القانون المواريث وأحكامها.
وهو يعاني من تمييز ضد المرأة في كثير من الأمور نأمل أن ينظر بها القانون الجديد كالطلاق بالإرادة المنفردة، والتعويض بالطلاق التعسفي، وتعدد الزوجات، وحق المرأة في أن تكون ولية نفسها بالزواج متى بلغت سن الرشد، و كل ما يتعلق بالتمييز بالولاية والوصاية والقوامة بين النساء والرجال.. والملكية المشتركة بعد الزواج، وكذلك تغيير اسم عقد النكاح إلى عقد الزواج، وإلغاء بعض المصطلحات التمييزية كالوطء والنكاح والناشز.