المرور على الأطلال

أحبّ المرور على الأطلال لا الوقوف عليها، فالحياة فعليّاً لاتقف عند وجود بعض الأشخاص فيها أو عدمه، حتّى وإن كنّا لانشعر بذلك أو لانرغب باستمرارها، لكنّها تستمرّ، تستمرّ وتستوقفني لبعض الوقت عند أخطاء الآخرين معي، كما تستوقفني عند أخطائي معهم، وهذا لا يمنعني من استكمال طريقي معهم أو من دونهم، بل يدفعني لتقبّل واستيعاب حقيقة الواقع أكثر بعد فترة نقاهة آخذها لأعيد حساباتي.

غير أنّ وقوفي عند تلك الأخطاء يعلّمني الكثير: كألا أقلق كثيراً، وألاّ أبحث في تفاصيل الأمور مطوّلاً، فهناك ما هو أهمّ من كلمةٍ جارحةٍ من حاقدٍ، أو موقفٍ سخيفٍ مقصودٍ من قبل البعض – مهما كان مؤلماً- وهناك ماهو أهمّ من فقدان شخص كنّا نعتبره في السّابق صديقاً، ولكن وللأسف الشّديد تبيّن أنّه لم يكن إلا رفيق لحظة أو ساعة لا أكثر.

فالحياة إلا شارع طويل يمرّ فيه شتّى أنواع البشر، لكنّ البعض منهم فقط من يعلقون بذهني -أصحاب النّظرة الصّادقة لا الخبيثة – ويكملون هذا الطّريق معي، فلمَ أبالي بأولئك الذين مرّوا من أمامي ورمقوني بتلك النظرة، ثم أكملوا الطريق دون حتّى كلمة وداع، ولمَ أبالي بأولئك الذين رافقوني نصف الطّريق لغاية في نفسهم لا أدري ماهي، ثم اختفوا فجأة دون سابق إنذار.

لمَ نحزن على قلوب لا تعرف معنى الوفاء والعشرة  ولاتعرف معنى ردّ الجميل، بل علينا أن تغمرنا الفرحة بأننا تعرفنا عليهم قبل فوات الأوان، مواقف وظروف كثيرة تدفعني يوماً بعد يوم لاكتشاف صعوبة الحياة رغم بساطتها، ونجد من سيكون مسانداً لنا يدفعنا نحو الأمام، ويرينا بين الحين والآخر بعضاً من الماضي، ويأخذنا لنمر على تلك الأطلال تذكّرنا بالبعض فنبتسم، لكنّنا نكمل الطريق كما بدأناه، على أمل أن يبقى من أسميناهم رفقاء دربنا معنا حتّى نهاية المطاف.

العدد 1140 - 22/01/2025