استقلالية وأخلاقية مهنة المحاماة

 

تبرز أهمية مهنة المحاماة من ملازمتها لحق من حقوق الإنسان، ألا وهو حق الدفاع فهو أقدم حق في المجتمعات البشرية ومن هنا فإن أخلاقيات مهنة المحاماة تعد موروثاً عالمياً مشتركاً بين أصحاب العباءات السوداء، فهي مهنة سامية تساهم في تنفيذ الخدمة العامة لنصرة الحق والدفاع عن المظلوم واستقصاء العدل. ومع تطور الإنسان واتساع العمران وكثرة المنشآت واختلاف صور المعاملات، أصبح الإنسان يتطلع إلى القانون لحماية وتعزيز حقوقه وحرياته التي تقتضي حصول جميع الأشخاص على خدمات قانونية يقدمها مهنيون قانونيون مستقلون يتمتعون بالكفاءة والجدارة والقدرة على أداء واجبات الدفاع، فقد أجمعت جميع التشريعات المقارنة المتعلقة بالمحاماة على وجوب تحلي المحامي بالأخلاق الحميدة والسلوك السوي والكرامة والشرف، فقسم المحاماة (أقسم بالله العظيم أن أمارس مهنتي بأمانة وشرف وأن أحافظ على سر المحاماة واحترام القوانين)، ليس شكلاً أو كلاماً منمقاً، بل هو فعل والتزام وممارسة. فقد أصبحت الدولة أكثر من أي وقت مضى تعتمد على القانون في تنظيم المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ومع تعاظم دور القانون يتعاظم دور المحامي ونقابته في تعزيز فهم الجمهور لدور القانون في المجتمع، وخاصة بعد ظهور العولمة وانتشار المبادلات والصفقات الدولية وهذا يفرض مظاهر استقلال المحاماة.

فجوهر مهنة المحاماة الاستقلالية في معناها الواسع حرية التفكير وحرية التعبير، وهي تحقق مع القضاة ومع السلطة القضائية العدل وسيادة القانون، فالمحاماة القادرة على المشاركة في إدارة نظام العدالة وإعلاء صرح الحق هي المحاماة المرتبطة بالقضاء المستقل في دولة تحترم وتكفل حقوق الإنسان، لأن سيادة حقوق الإنسان تعني احترام أجهزة الضابطة العدلية لحقوق المتهم المفترضة براءته، إلى حين أدانته بقرار قضائي في محاكمة عادلة أتيح له فيها حق الدفاع بكل ضماناته. وينسحب هذا على احترام واجب المحامي في الدفاع، وحقه في القيام بكل ما يقع في هذا المجال، فاحترام الحقوق يستوجب احترام حُماتها. وقد قررت سائر التشريعات المتعلقة بهذه المهنة الحقوق والواجبات وأهمها إعلان المبادئ الأساسية العالمية الخاص بدور المحامي، المقرّ من قبل مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة في كوبا، ولكن يؤخذ على المواثيق الدولية عدم إيلائها الاهتمام الكافي لمبدأ استقلال المحاماة، بالرغم من أن المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أوجب توفير سائر الضمانات اللازمة للدفاع عن المتهم في محاكمة عادلة، وكرست المبدأ ذاته المادة 3/14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وبالرغم من ضمانة هذا الحق تتطلب الحماية الدولية لمبدأ استقلال المحاماة الذي يكفل قيام المحامي بواجبات الدفاع، وبالرغم من ذلك فقد تأخر الاهتمام الدولي باستقلال المحاماة على عكس استقلال القضاة.

العدد 1105 - 01/5/2024