غزوان الزركلي في دار الأوبرا… رحلة ممتعة بين أعمال شومان وبيازولا

أدهش عازف البيانو المعروف د. غزوان الزركلي، كعادته، المتلقي بعزفه المقتدر ونقاء جُمَله المتجانسة والمؤثرة، وقوة أنامله والأداء السليم، في حفله مؤخراً على مسرح الدراما في دار الأوبرا السورية، حيث ظهرت براعته مرة أخرى في أداء السلالم الكبيرة منها والصغيرة، والمداخلة المرسومة بإحكام وقدرة على الأداء السليم للمقطوعات الموسيقية، ومقدرته الفنية في السيطرة على الأنغام بكل تفاصيلها التي تدعو إلى الدهشة.

وجاءت اختياراته صائبة من الأعمال الموسيقية الممتعة، وتلك الاستعدادات المنتظمة والأنماط الموسيقية المحكمة التركيب، لتكون رحلة ممتعة مع آلة البيانو بين رحاب لونين من الموسيقا الكلاسيكية، تضمنّا أعمالاً كبيرة وصعبة، فقد عزف في البداية للمؤلف روبرت شومان، الذي ينتمي إلى العصر الرومانسي، وعاش بين عامي (1810- 1856)، أدى له الزركلي من (هكذا تكلم الشاعر)، مصنف ،15 مقام صول ماجور، آخر مقطوعة من مجموعة (مشاهد طفولية) المكونة من ثلاثة عشر جزءاً، ومؤلفة عام 1838 أيضاً، كما عزف لهذا المؤلف عمله (كريسلريانا) مصنف ،16 مقام صول مينور، كتبه شومان عام 1838 وأهداه إلى المؤلف الموسيقي فردريك شوبان، وهذا العمل يتضمن ثماني حركات متفاوتة بين السرعة والاعتدال والبطء.

العملان اللذان قدمهما الزركلي في هذه الأمسية يملكان لغة موسيقية تتوسع قدرتها بسرعة، ويتسع نطاقها التعبيري وتزيد إمكانياتها الفنية، وعموماً يطغى الجانب التعبيري للموسيقا على حساب الجانب الصوري والشكلي، وذلك لأن أعمال البيانو التي تشبه الأغنية في تركيبها وفي تأكيدها للعنصر الغنائي، هذه القطع الصغيرة أسهل فهماً من سوناتا البيانو، وتحدث تأثيرها وخاصة إذا أداها عازف بارع مثل الزركلي. وبعد شومان انتقل (الزركلي) إلى مدرسة أخرى من الموسيقا عبر عملين للمؤلف آستور بيازولا، بدأها بالمقطوعة المعروفة (وداعاً والدي)، مقام لا مينور، تحتوي مقدمة حرة، تانغو، ومن ثم (فانتازيا)، مصنف ،17 مقام دو ماجور، مهداة إلى المؤلف الموسيقي فرانز ليست، وتتضمن ثلاث حركات (كثير من الخيال والعاطفة الجامحة، باحتفالية وبحيوية مستمرة، بطيئة).

بلغ الزركلي في هذه الأمسية من المهارة حداً جعل من الصعب على غير الأذن الخبيرة أن تكتشف التعقيدات التي نجدها عادة في المقطوعات الكلاسيكية لكبار المؤلفين الموسيقيين، ولكن عازفنا استطاع أن يجد لها مكاناً في دواخل المتلقي الذي استمع إليه بثقافة المستمع الموسيقي وعرف أين يصمت وأين يصفق.

يشار إلى أن د. غزوان الزركلي، عازف بيانو محترف وأستاذ جامعي ومؤلف وكاتب موسيقي، درس الموسيقا في دمشق وبرلين وموسكو، وعمل أستاذاً جامعياً في فايمار بألمانيا، وفي دمشق والقاهرة بصفة خبير.

فاز في عدة مسابقات دولية في العزف على البيانو، في لبنان، البرتغال، إسبانيا، روسيا، إيطاليا، وحصل على وسام الجزائر عاصمة الثقافة العربية عام 2007 وعلى جائزة الدولة التشجيعية السورية في عام 1969. مثّل هذا الموسيقي سورية عازفاً منفرداً على البيانو في 27 بلداً حول العالم، كما عمل محكّماً دولياً في مسابقات العزف على البيانو في كل من قبرص، الإمارات العربية المتحدة، المغرب، روسيا.

العدد 1105 - 01/5/2024