حوار.. وتصميم على التوافق

منذ بداية الأزمة السورية في العام قبل الماضي، كان حزبنا، الحزب الشيوعي السوري (الموحد)، من أوائل القوى السياسية التي طرحت الحوار بين السوريين، بوصفه مخرجاً من هذه الأزمة، وطريقاً لحلها سياسياً.. ورغم كل العقبات والصعوبات التي واجهت هذا التوجه من أطراف عدة، لم نتوقف لحظة واحدة عن الإصرار عليه، حتى في تلك الأوقات التي سادت فيها لغة الرصاص على أي لغة أخرى، والتي اعتقدت معها بعض قوى التحالف الاستعماري الخارجي والرجعي الداخلي، أن القضية هي قضية أشهر أو أسابيع أو حتى أيام تسقط فيها سورية وترفع رايات الاستسلام. ومع ذلك فقد كنا نتوجه إلى جميع الوطنيين السوريين، وبضمنهم القوى المعارضة الوطنية، بأن الحسابات الاستراتيجية والعسكرية والشعبية لا تسمح بالوصول إلى مثل هذا الاستنتاج. وكنا نجابه بتهمة المبالغة في التفاؤل، وأن الحوار مع النظام السياسي القائم أمر مستحيل، فوصلت الأمور في مرحلة معينة إلى نقطة الاستعصاء.

ومن جهة أخرى فقد كان الميل يزداد نحو عدم إعطاء الحل السياسي والحوار الداخلي فرصته، بسبب تنامي نشاط المجموعات الإرهابية المسلحة، وتعنّت المعارضة الخارجية في مواقفها، واستمرار مراهنتها على التدخل الخارجي المباشر وغير المباشر.

واليوم تبدلت معطيات أساسية في معادلات الأزمة، على رأسها صمود سورية وتماسك الدولة والجيش، وثبات تحالفاتها الدولية، والضربات الكبيرة التي وُجّهت للمجموعات المسلحة، والتناقضات الواسعة التي تنخرها، وافتضاح طبيعتها بصفتها تحمل مشروعاً لدولة استبدادية تنتمي إلى القرون الوسطى، والترددات التي بدأت تظهر في مواقف الولايات المتحدة وأوربا، والميل المتزايد لدى بعضها صوب الحل السياسي بدل الحل العسكري.. إن كل هذه التطورات قد خلقت مناخاً جديداً على جميع الأصعدة باتجاه الحل السياسي الذي يحققه السوريون فيما بينهم، وهذا ما أعطى وسيعطي الحوار السوري- السوري أهمية متزايدة.

ولا يخامرنا الشك في أن عقبات عدة اعترضت وستعترض مسار الحل السياسي والحوار الداخلي. وقد جاءت المبادرة السورية التي قدمها الرئيس الأسد لتعطي هذا التوجه دفعاً جديداً، ولتذلل عدداً من العقبات التي تواجهه.

إذن.. نحن الآن في موقع يسمح لنا بإبداء المزيد من التفاؤل، الذي يستند إلى توفر عوامل موضوعية مناسبة أكثر فأكثر، لكن المهم هو توفر العامل الذاتي الذي يعني في هذا المجال، توفر إرادة السوريين جميعهم في الحوار والحل السياسي، والمراهنة على بذل الجهود المكثفة لتحقيقه، عوضاً عن المراهنة على الاستقواء بالخارج وإطالة عمر الأزمة.

إننا سنتوجه إلى الحوار الداخلي، ونمارس حقنا في التعبير عما نراه خيراً لسورية، بكل شفافية وصراحة، منطلقين من أن سورية القوية المعافاة داخلياً، هي سورية القادرة على صد أطماع الخارج ومشاريع الرجعية في الداخل.

العدد 1140 - 22/01/2025