أحمد عليوي.. سلاماً لروحك!

لتسقط الحروب ولتسقط النزاعات، لديكم من الأحقاد ما يكفيكم مئة عام ولدينا من الأمل والصبر ما يكفينا ألف عام لنزع الحقد من قلوبكم، نعلم أنه مع كل حرب يموت نخبة من الرجال الصادقين والأشداء، ونعلم أيضاً أنه يبُنى جيل من الأطفال الأقوياء.

مرت أولى ساعات ذلك اليوم المشؤوم ولم تصل جريدة (النور)، كعادتها في كل صباح يوم الثلاثاء، أسأل: ماهو سبب التأخير؟ هل احتجبت الجريدة عن الصدور في هذا العدد، أم أن أحمد تأخر في طريقه إلى دمشق؟ ولكن عدت ولملمت أفكاري، وتذكرت أن أحمد يجهّز نفسه قبل صدور الجريدة بيوم، لكي يقوم بعمله على أكمل وجه. لا، ليس أحمد من يستهين بعمله الذي يعيش منه هو وعائلته! يقرع عقرب الساعة على العاشرة، وعدت مرة أخرى أسأل: ترى أين أحمد؟ ولكن سرعان ما أتى الرفيق (أبو ثائر) وهو يحمل الجريدة، وكثيراً من الحزن والألم على وجهه، نظرت إليه متعجباً فأسرع قائلاً: (استشهد أحمد) في قذيفة الأمس التي سقطت في الصالحية.

(استشهد أحمد)! هل هي كلمة كافية لكي ننسى من خلالها رجلاً من الرجال الأقوياء وأصحاب المبادئ، الذين يقولون الحقيقة بصوت عالٍ، لا يعرف الكذب والخداع؟ هل تكفي لنتوّج رفيقاً من الرفاق الذين يتمتعون بصلابة الجسد، ونمو الفكر وحب الخير؟ كثير من الكلمات لا تعوضنا عمن كان لديه طموح، ومن لا يضع نفسه في موقف (الأنا) في كل مرة يقصده الحزب والجريدة. بدأت تظهر أمامي جميع الجلسات التي تحاورنا فيها وطرح أفكاره بقوة، عندما قال: (من حقي أنا وعائلتي وجميع سكان هذا البلد العيش بأمان، ومن حق شبابنا أن يعيش باطمئنان دون خوف، من حق الجميع أن يبني مستقبله بالوعي والاجتهاد، لا بحرب دموية ندفع فيها ضرائب سعادتنا وأماننا في الماضي! من حق (هديل) الصغيرة ومن حق كل طفل أن لا يشاهد الدماء وهي تنزف)!

ترى كم من الابتسامات ظهرت على وجنتيك وأنت تتخيل في ذهنك (هديل) الصغيرة، وهي تركض إليك لتعانقك وأنت عائد من عملك لتقول لك: (بابا ثو ذبتلي معك)؟ هل دفعت بدمائك ضريبة حياتك وحياة عائلتك، أم هي مزحة خفيفة الظل ننتظرها لتنتهي وتظهر لنا مجدداً؟

جميع كلمات الحب والفخر لا تكفي لمن اعتاد أن يناقش أفكاره بتعمق كبير، وجميع الدموع التي سقطت على جثمانك لا تنسينا من هو الشيوعي العنيد، صاحب الهمة والنشاط، الذي حمل في قلبه حباً كبيراً لكل شخص تعرف عليه.

أحمد عليوي! رحلت عنا وتركت لنا ذكريات ومواقف لا نستطيع أن ننساها، بكرمك ولطفك، وحسن معاملتك، وبشجاعتك وهمتك التي لم تقهر.

أحمد عليوي… سلاماً لروحك الطاهرة! والخزي والعار لمن يقتل الأبرياء دون سبب وينشر الدمار والخراب في ربوع بلادنا!

العدد 1105 - 01/5/2024