مهرجان كارلو في فاري السينمائي… تنديد يهودي وسوداوية مفرطة

لشباب تشيكيا طقس سينمائي سنوي يُدركون كيف يحتفون به على مدى 9 أيام متواصلة خلال فصل الصيف في مهرجان كارلو في فاري.

أيام تعجّ فيها الصالات المظلمة بوجوه متلهفة لما ينتظرها خلف الشاشة السوداء، ولا تملّ فيها جلسات السمر من أحاديث عن أفلام تسافر بهم إلى أقاصي الأرض أو تأخذهم في رحلة داخل النفوس البشرية الحائرة.

ولا عجب ألا يُعير أحد بالاً للبيان الذي ورد على موقع (بلومبرغ) من اتحاد الجمعيات اليهودية في تشيكيا الذي ندد فيه بتكريم ميل غيبسون في المهرجان، مذكراً بأنه صوّر اليهود في فيلم (آلام المسيح) بأنهم (متعطشون للدماء).

بيان مرّ مرور الكرام تماماً مثل العريضة التي رفعها بضعة شبان في ساحة كارلوفي فاري لانتزاع تواقيع ضد (الإسلام). وحين جاهرت صديقة مصرية بإسلامها، وسألتهم: ماذا تعرفون عنه حتى تحرّضوا الناس ضده؟ تراجعوا قائلين: (نحن لا نقصدكم أنتم، بل نقصد أولئك الذين يأتون من سورية والعراق… هؤلاء لا نريدهم بيننا).

لكنّ الأجواء الكرنفالية خارج الصالات تُقابلها سوداوية في الداخل، حيث تعكس الشاشات تناقضات عالم تصوّره الأفلام الـ 240 التي اختارها المهرجان في دورته الـ 49 لجمهوره. عالم تتخبط شخصياته وتتهاوى إلى أسفل الدرك من دون أن تجد خشبة خلاص تقيها من الموت المحتم.

الأفلام الروائية الطويلة المشاركة في المسابقة الرسمية لم تبتعد كثيراً عما سارت عليه الدورات الماضية من نهج غارق في قتامة مفرطة بسوداوية تطرح أسئلة الوجود وتحاول أن تزعزع مسلّمات تستكين إليها النفس البشرية.

وتبرز تيمة (الوحدة) خطاً رئيساً يربط غالبية أفلام المسابقة. وفي هذا السياق يطلّ الفيلم الجورجي الأخاذ (جزيرة الذرة) للمخرج جورج أوفاشفيلي الذي يأسر مشاهديه بمتعة بصرية لافتة من دون أن تنطق شخصياته إلا بأربع أو خمس عبارات فقط طوال دقائقه المئة.

فيلم صامت يقول الكثير عن علاقة الإنسان بالأرض من خلال ثلاثة أبطال تدور من حولهم القصة: جد وحفيدته ونهر أنغوري الذي يرسم حدوداً طبيعية تفصل جورجيا عن أبخازيا.

فيلم آخر يغوص في أسئلة الوجود هو الفيلم الكازاخستاني (مغامرة) (من إخراج ناريمان توريبايف). فهذا الشريط السينمائي المأخوذ من رواية دوستويفسكي (الليالي البيضاء) التي ألهمت سينمائيين كثراً (لوشينو فيسكونتي وروبرت بريسون بين آخرين) يتوغل في أعماق نفس حائرة حول هدف البقاء على قيد الحياة. نحن هنا أمام عامل أمن (مارات) يعيش وحدة موحشة وصمتاً مدوياً وكآبة لا تُفارق خطوطها تقاسيم وجهه. وحده ضوء يُنير شباك غرفته، يبدو وكأنه سينتشله من عزلته حين يقع ذات ليلة في سحر فتاة حسناء ((مريم))، بعد أن ينقذها من أنياب شاب حاول الاعتداء عليها. ولكن بدلاً من أن يتحوّل (مارات) الى بطل في عيني (مريم) التي تخبره أنها تقف قبالته كل مساء في انتظار ان يعود حبيبها الذي هاجر الى الخارج، تتلاعب بطلتنا به، وتغرقه في متاهات قد تضع عمله على المحك… لا بل حياته كلها. (أنا فتاة خطيرة)، تقول له بثقة كبيرة، لكنّ (مارات) لا يبالي. (هي فتاة تقلب حياة من حولها الى الأسوأ)، يخبره شاب عانى الأمرين في حبها، بعدما تحوّل من أستاذ جامعي مرموق الى مشرد يعيش على الحافة… لكنّ، (مارات) لا يسمع، فالأمر سيان بالنسبة إليه وما ينتظره دونها ليس أفضل.

العدد 1107 - 22/5/2024