التحالف الدولي المخروق من قبل تركيا وقطر!

لم تكن الولايات المتحدة وبريطانيا بحاجة إلى ذرائع مثل التي ارتكبتها (داعش) بحق الصحافيين (جيمس فولي) و(ستيفن سوتلوف) وعامل الإغاثة البريطاني (ديفيد هاينز)، فمن المتوقع دائماً أن الكلاب عندما تبلغ درجة التوحش تفتك بأصحابها أو أبنائها، وإذ يتبلور هذه الأيام تحالف دولي تحيط به عشرات إشارات الاستفهام، شعاره محاربة الإرهاب، إلا أنه تحالف (مخروق) بأجلى صوره من قبل دولتين تدوران في الفلك الأمريكي، هما تركيا وقطر.

يوماً بعد يوم يتأكد للجميع أن (داعش) صناعة أمريكية، وأن الخليفة نفسه صنيعة الاستخبارات المركزية الأمريكية. الشهادة الأولى حول ذلك جاءت من داخل البيت الأبيض الأمريكي، وهو مما ورد على لسان وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.. أما الشهادة الثانية فهي شهادة الشيخ نبيل نعيم، الذي يعتبر الشخص الثالث في القاعدة، فقد أكد ارتباط الخليفة بالاستخبارات الأمريكية، وقدم أدلة وبراهين تؤكد ذلك.. وبيّن أن (داعش) هو خرق لتنظيم (القاعدة)، يعمل لمصلحة أمريكا، ومهمته ضرب العراق، والانتقال إلى سورية لمعاقبتها على موقفها الداعم للمقاومة العراقية إبان الاحتلال الأمريكي وسماحها للمقاتلين بعبور الحدود إلى العراق لقتال الجيش الأمريكي المحتل لذي خرج في النهاية مهزوماً تحت عنوان الانسحاب.

بالنسبة إلى تركيا، تروّج بعض وسائل الإعلام أنها حاولت التمرد على القرار الأمريكي، وغردت في بداية الأمر بعيداً عن سرب ما يسمى التحالف الدولي، وهي بذلك تخرق هذا التحالف علناً. وفي حقيقة الأمر أن تركيا لا تريد محاربة داعش، ولهذا كان موقفها الرمادي هذا. تتظاهر أنها مع التحالف لمحاربة داعش، بينما مازالت حتى الآن تقدم لإرهابيي داعش كل صنوف الدعم، وتحتضنهم وتعالج جرحاهم وتفتح لهم حدودها مع سورية.

وما من شك في أن الولايات المتحدة الأمريكية تعطي تركيا الضوء الأخضر لأداء هذا الدور القذر الذي لا تريد واشنطن لعبه حفاظاً على دورها واجهة مقبولة أمام الرأي العام الأمريكي والغربي والعالمي عامة، ولكسب هذا الرأي إلى جانبها.

وتجدر الإشارة إلى ناحية هامة وهي أن الحكومة التركية تستطيع التمرد على أي حليف، لكنها لا تستطيع التمرد على سيدتها أمريكا التي تصدر عنها التعليمات. من جهة أخرى فإن الخطاب الأمريكي على لسان أوباما ووزير خارجيته وغيرهما من المسؤولين الأمريكيين يتناقض والحقيقة المبطنة، خاصة أن هذا الخطاب يؤكد رفض التنسيق الأمريكي مع الدولة السورية في مجال تنسيق ضربات طائرات التحالف، وسيكون هذا الرفض لصالح داعش التي ستتراجع إلى الداخل السوري لاستكمال مهماتها العدوانية الإرهابية ضد السوريين، هذا فضلاً عن احتمال قيام الطيران الأمريكي بضرب قواعد للجيش العربي السوري تحت مظلة الخطأ، وبالتالي فتح الطريق أمام داعش وأخواتها لاستمرار استهداف سورية.

وهكذا فإن غارات الطائرات الأمريكية وغيرها على داعش في سورية لا تتعدى الصفعة الجانبية على رقبة (الحمار) لدفعه إلى تغيير اتجاهه في المكان والزمان المناسبين.

أما بالنسبة إلى قطر فهي من دون شك لعبت وماتزال دوراً مشبوهاً وخطيراً في الأحداث التي تشهدها سورية منذ نحو ثلاثة أعوام ونصف العام، كما لعبت مثل هذا الدور في عدة دول عربية بدءاً بليبيا ومروراً بمصر وانتهاء بالعراق ولبنان، وحتى اليمن، فهي الداعم لعمليات الإرهاب في هذه الدول، خاصة بالمال وبتجنيد شبكات الإرهابيين من عرب وأجانب وتأمين متطلبات انتقالهم إلى الدول المذكورة. ويؤكد بعض المحللين السياسيين أن من دوافع مشيخة قطر للقيام بهذا الدور القذر أنها معنية بالمشروع الغربي لخط الغاز المنافس للخط الروسي القائم الذي يمد أوربا بالطاقة، ومنع إنشاء خط يمتد من إيران عبر العراق إلى شواطئ البحر المتوسط. ويبدو أن رفض سورية للخط القطري وموافقتها على العرض الإيراني الذي لا تعترض عليه روسيا قد أزعج قطر، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن قطر – كما يعرف الجميع- هي مجرد حصان على رقعة اللعبة، ولها دور محدد من قبل الولايات المتحدة تلتزم بأدائه، لهذا أصبحت لاعباً على رقعة المنطقة في مجال دعم الإرهاب وتمويله، وحتى أصبحت وسيطاً مقبولاً لدى أوساط معينة ومعروفة بين الإرهابيين وبعض الدول التي اختُطف مواطنون منها، ومن جهة ثالثة فإن واشنطن أيضاً تعمل في الخفاء على دعم قطر وإبراز دورها بهدف تهميش السعودية.

إن البرنامج الأمريكي هو الذي يتصرف بالأموال القطرية الفائضة، حسبما أشار إليه أكبر مركز أبحاث أمريكي يديره الثعلب هنري كيسنجر، من أجل تمويل داعش وغيرها من العصابات الإرهابية، وتسديد رواتبها بطرق ملتوية، مثل (الفدية) وغيرها، بحيث تظهر قطر أمام الرأي العام العالمي بأنها (دولة مضحّية)، وليست دولة ممولة للمجموعات الإرهابية المسلحة في المنطقة وحتى في العالم! وهذا كله يشير إلى أن قطر لا تخطو خطوة من دون إيعاز أسيادها في واشنطن، والآن تعمل – بإيعاز أيضاً- لخرق ما يسمى بالتحالف الدولي، عبر استمرارها بمساعدة الإرهابيين وتمويلهم ودعمهم بالأسلحة المتطورة، وبالإعلام عبر محطة الجزيرة (الصهيونية المنشأ والهوى والأهداف).

وهكذا نخلص إلى القول إن خرق مايسمى بالتحالف الدولي من قبل حكومة أردوغان، ومن قبل مشيخة قطر، إنما يتم بعلم سيدهما الأمريكي وبموافقته، ضمن سيناريو يقوم على التضليل وتشويه الحقائق وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة وأمن إسرائيل، وفي سياق المخطط الأمريكي المرسوم لدفع المنطقة باتجاه المزيد من الفوضى والعنف والإرهاب، لتبقى الولايات المتحدة تظهر أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي بأنها تلعب دور إطفاء الحرائق المشتعلة هنا وهناك، علماً بأنها هي التي أشعلتها.

العدد 1105 - 01/5/2024