تقرير المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد: الدفاع عن الوطن ووحدة ترابه.. ومراجعة أوضاعنا الداخلية بما يتفق مع هذا الهدف

قدم الرفيق حنين نمر الأمين العام  للحزب الشيوعي السوري الموحد التقرير التالي في اجتماع المكتب السياسي الذي عقد بتاريخ 13 تشرين الأول 2014 وقد أُقر بعد إدخال التعديلات عليه:

أيها الرفاق!

تتصاعد حدة الموقف في الشرق الأوسط، وتتسع الرقعة الجغرافية للأحداث بحيث تشمل ميادين جديدة باستمرار. وهناك ما يقارب 6-7 دول أصبحت منخرطة فيها بشكل أو بآخر، مثل العراق وسورية ولبنان وتركيا وإسرائيل وإيران، إضافة إلى الدول المحركة للأحداث مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف الغربي والسعودية، ماعدا روسيا، التي تلعب دوراً هاماً بدعمها لسورية، وإذا كانت الاشتباكات العسكرية مقتصرة حتى الآن على معارك هنا وهناك، فإن احتمال انفجار الموقف العام وتحوله إلى حرب إقليمية، يبقى احتمالاً قوياً أكثر من أي وقت مضى.

لقد صدر قرار مجلس الأمن 2170 المتضمن القضاء على داعش، ثم أعقبه القرار 2178 بالمحتوى نفسه، وأقامت أمريكا حلفها الدولي الذي ضم 40 دولة، ومعروفة هي التحفظات التي أبدتها كل من سورية وإيران وروسيا على التفسير الأمريكي الذي انفرد بالتنفيذ دون تفويض من الأمم المتحدة، هذه التحفظات التي تأكدت مصداقيتها من خلال الواقع، والتي جعلت فاعلية القصف الجوي والضربات الصاروخية محدودة التأثير، وذلك لخلوّها من التنسيق المسبق، خاصة مع سورية.

وقد كثرت الشهادات والمواقف الأمريكية والغربية التي تؤكد ضعف الجدوى العسكرية من هذه الضربات، مما جعل الإدارة الأمريكية تستعجل التحضيرات للهجوم البري على مواقع داعش لأسباب عسكرية ولوجستية وسياسية وغيرها، فأوعزت ببدء تدريب (المعتدلين).

وقد اصطدم التفرد الأمريكي برفض جديد من قبل روسيا وإيران والصين وسورية، بسبب مخالفته لقرارات مجلس الأمن الدولي، وافتقاده للشرعية الدولية، ولأنه يفصح عن الأهداف الحقيقية للموقف الأمريكي المتمثلة بالعودة إلى المنطقة عبر سياسة العصا الغليظة، وإقامة قواعد عسكرية لتهديد سورية، وتمتين مواقعها في كردستان العراق، كما رفضت هذا التفردَ الأمريكي أوساط أمريكية وأوربية نافذة، وتحفظت عليه مصر. أما تركيا التي رفضت في البداية الانضمام إلى التحالف الدولي فلها مخططات وأطماع خاصة تتعلق بسورية، إذ طرحت خطة ظاهرها إنساني متعلق باللاجئين السوريين وحمايتهم في مناطق آمنة عبر فرض منطقة عازلة، والتعهد بتدريب عناصر مايسمى بالمعارضة السورية (المعتدلة). وقد جوبهت هذه الفكرة أيضاً بمعارضة إقليمية ودولية وداخلية واسعة.

وأعلنت سورية أن إقامة هذه المنطقة تُعد عملاً عدوانياً ستقاومه بمختلف الوسائل، كما أعلنت إيران أنها لن تقف مكتوفة اليدين، وستتدخل عسكرياً إذا وافقت الحكومة السورية على ذلك، كما أن تحفظات واسعة النطاق من الشرق والغرب قد أبديت على هذا المشروع التركي.

وهنا يمكن القول إن الإدارة الأمريكية تعاني مأزقاً حقيقياً، فالضربات الجوية لاتعطي ثماراً، وبدا التململ يزداد ضمن الإدارة الأمريكية والرأي العام الأمريكي، وضمن حلفائها الأوربيين الذين لا يتفقون تماماً مع الاستراتيجية الأمريكية، وقد برزت تصريحات أوربية مشككة بالتحركات الأمريكية، وكانت تصريحات بايدن عن رعاية دول الخليج للإرهاب أبلغ دليل على تخبط الإدارة الأمريكية ذاتها، كذلك فإن الغزو البري يصطدم بمعارضة واضحة، والمشروع التركي لإقامة منطقة عازلة يواجه المعارضة نفسها حتى اليوم، فكيف يكون الخروج هذا المأزق؟..

في هذا الخضم، قامت داعش بالهجوم على عين العرب، المدينة السورية الاستراتيجية التي تضم مواطنين أكراداً وعرباً، ليسهل عليها احتلال باقي المناطق المتاخمة للحدود التركية وتدعيم وجودها في شمال شرق حلب، وقد جوبه هذا الغزو الداعشي بمقاومة شعبية هائلة من سكان المدينة، حالت دون السيطرة التامة عليها حتى الآن، وسط امتناع دول التحالف الأمريكي عن ردع الغزاة الداعشيين، وصمت تركي مترافق مع حشد للمدرعات، وهجوم مسلح على المتطوعين الأكراد القادمين من تركيا وسورية لنجدة إخوانهم في عين العرب.

وإذا بقيت موازين القوى على هذه الحال فقد تتمكن داعش من احتلال المدينة، وهذا يشكل خطراً كبيراً على هذه المناطق السورية، مما يتطلب تكثيف الدعم والمؤازرة التي تقدمها الحكومة السورية لهذه المناطق وتحصين المواقع الدفاعية فيها.

ويسود الاعتقاد أن مصير عين العرب سيؤثر كثيراً على الوضع في كامل المناطق الشمالية الشرقية من حلب حتى أقاصي محافظة الحسكة، ويبدو أن هناك تواطؤاً بين الولايات المتحدة وتركيا على هذه المدينة، لإتاحة الفرصة أمام تركيا للتحكم فيها كشرط تطرحه للدخول في التحالف الأمريكي لاعباً أساسياً، وتنفيذ خطتها ضد سورية كياناً… ودولة.

ويبدو أن الولايات المتحدة التي فشلت في ليّ ذراع سورية في معظم الميادين لا تبذل جهداً جدياً لحماية العراق من خطر إرهاب داعش واحتلالها لبغداد، وهو خطر داهم.

أمر آخر يظهر أن الولايات المتحدة تعيره اهتماماً كبيراً، رغم معرفتها بصعوبته، وهو تسليح ما يسمى المعارضة السورية (المعتدلة)، ويضع جنرالاتها الخطط العسكرية لتنفيذه، وتقام المعسكرات اللازمة لتدريب العناصر الاقتحامية سواء في السعودية أو في تركيا، أو في الأردن، وقد رصد لها الكونغرس 500 مليون دولار، ويتنبأ المحللون العسكريون بفشلها، لكن لا يجوز التقليل من خطورتها ومن مدى الصعوبات الإضافية التي ستخلقها لسورية.

وإضافة إلى كل مكامن التوتر القائمة حالياً، يبرز لبنان إحدى ساحات التوتر الشديد الذي قد يتحول إلى ساحة لانفجار كبير. إن داعش والمجموعات التكفيرية الأخرى، وجدت أن الجو أصبح سانحاً لتنفيذ جزء من مخطط الدولة الفاشية الدينية، وذلك بمحاولة السيطرة على منطقة عرسال المتاخمة للحدود اللبنانية السورية وتحويلها إلى نوع من الإمارة الإسلامية، وهي في سبيل ذلك تسعى إلى إنشاء المنطقة العازلة الممتدة من بعض أجزاء محافظة القنيطرة السورية وقرى حوران، مروراً ببعض القرى الممتدة من جبل الشيخ وصولاً إلى البقاع ثم عرسال.. وإذا أضفنا إلى ذلك الاستفزازات التي تتكرر في طرابلس ضد الجيش اللبناني المدافع عن وحدة لبنان واستقلاله، تصبح الصورة شبه مستكملة بإشغال الجيش السوري في قتاله الباسل ضد المجموعات الإرهابية في الداخل، وبإشغاله على الحدود اللبنانية فضلاً عن الحدود التركية والعراقية والأردنية، ويخوض هذا الجيش الباسل معارك قاسية جداً ضد فلول الإرهابيين في ريف دمشق التي أحرز فيها نجاحات كبيرة قد تكون حاسمة، كما تقاتل وحداته ببسالة ضد المجموعات الإرهابية في بعض قرى الجولان السوري الحبيب بهدف منعها من إنشاء منطقة عازلة لحماية إسرائيل التي عقدت حلفاً أسود مع هذه المجموعات، وتصرح علناً بأن مصالحها ترتبط بمخطط تفتيت سورية و إنهائها بدلاً من مغامرة الحرب معها، ونرى أن هذا المخطط سيبوء بالفشل على غرار الشريط الذي أقامه الخائن أنطوان لحد في جنوب لبنان وفشل في حمايتها من ضربات المقاومة اللبنانية.

أيها الرفاق!

إن الوضع صعب ومعقد جداً ومرشح لتطورات كبيرة و شاملة. والنقطة المركزية فيه هو استهداف سورية من قبل عدوين رئيسيين هما المشروع الامبريالي الأمريكي- الصهيوني الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية، والذي تلعب سورية دوراً هاماً في إفشاله، والمشروع التكفيري الإرهابي الذي تقوده داعش والنصرة، وعنوانه الرئيسي اغتيال كل ما هو وطني وتقدمي وعصري وحضاري، والعودة إلى عصور الجهل والظلام، وإقامة دولة فاشية على ربوع واسعة من العالم تحت ستار إيديولوجي خادع.

إن النضال ضد هذين المشروعين المتوافقين سياسياً.. ولوجستياً، يتطلب قيام جبهة عريضة مؤلفة من التيارات الوطنية والقومية والأممية والعلمانية والديمقراطية، والتي تستند إلى الحفاظ على الهوية الوطنية الموحدة للجماهير العربية، ولكل القوميات الأخرى الشقيقة.

إن فضح وتعرية الأساس الأيديولوجي المصطنع لهذه الفئات الظلامية يتطلب نضالاً فكرياً أيضاً وتزويد الأجيال الناشئة بالثقافة العصرية التقدمية.

أيها الرفاق!

هذا الوضع الحرج والدقيق يتطلب من حزبنا والأحزاب الوطنية والقومية والتقدمية داخل الجبهة وخارجها تكثيف الجهود من أجل:

1- الدفاع عن الوطن السوري ووحدة التراب الوطني، ومراجعة أوضاعنا الداخلية بما يتفق مع هذا الهدف.

2- اتخاذ الإجراءات التي تكفل حماية البلاد عسكرياً وأمنياً، وتحضيرها لحالات الطوارئ من النواحي الاقتصادية والاجتماعية.

3- التوجه نحو عقد مؤتمر وطني عام تشترك فيه مختلف الفعاليات السياسية، وبضمنها المعارضة الوطنية التي لم تستدعِ الخارج للتدخل، والفعاليات الاقتصادية والثقافية والفكرية، والشخصيات الوطنية المستقلة، ينبثق عنه ميثاق وطني شامل يظلل جميع السوريين الوطنيين.

4- تعزيز عملية المصالحة الوطنية والارتقاء بها إلى مستوى سياسي.

5- تطبيق أحكام القانون، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ممن لم يمارسوا العنف.

6- مراجعة الوضع الاقتصادي، والعودة عن الإجراءات التي أضرّت بمستوى معيشة المواطنين، ونؤكد هنا أن الصمود يجب ألا تتحمله الفئات الفقيرة وحدها.

7- تقوية علاقاتنا مع الدول الصديقة التي تمد لنا يد المساعدة، وتوسيع صلاتنا مع مختلف أوساط الرأي العام العالمي لفضح الأهداف الخطيرة الكامنة خلف المخطط التكفيري والإرهابي في العالم.

العدد 1107 - 22/5/2024