التسوّل ظاهرة تشوّه عمق الإنسانية
التسوّل ظاهرة تدل في عمقها السحيق على انحراف في القيم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. فهي منتشرة في مختلف المجتمعات الإنسانية بنسب تتعلق بمدى قوّة اقتصاد هذا البلد أو ذاك، مثلما تتعلق بمدى احترام حقوق الإنسان، واحترام سيادة القانون الذي لا بدّ أنه تناول تلك الظاهرة بعقوبات تتناسب وحجم تأثيرها على الفرد والمجتمع والدولة.
من هنا، نجد أن هذه الظاهرة التي تتفشى في مجتمع يُعاني مشاكل اقتصادية، لا شكّ أنها نشأت وترعرت بسبب ارتفاع معدلات الفقر، وازدياد نسب البطالة التي تؤدي حتماً إلى أمراض اجتماعية خطيرة، نتيجة انعدام وسائل وأساليب العيش الكريم للإنسان.
غير أن ظاهرة التسوّل، قد اتخذت في العقود الماضية أشكالاً أكثر تعقيداً مما هو سائد تقليدياً، بمعنى وجود شبكات منظمة تعمل على استغلال حاجة الآخرين للعمل والمال، إضافة إلى استغلال أطفال الشوارع الذين بتنا نراهم بكثرة لافتة هذه الأيام، بحكم ما يجري في البلاد من حرب التهمت كل القيم والمبادئ والأخلاق، مثلما التهمت نيرانها البشر والحجر، فيُشرف متعهدون مختصون في تلك الشبكات الإجرامية على تنظيم الأطفال وسواهم ضمن مجموعات، موّزعة بشكل منظم في أماكن مختلفة من المدن والبلدات، ليتمّ في نهاية اليوم السطو على ما تمّ جنيه من مال، وإعطاء أولئك المتسولين بعضاً مما يسد رمقهم.
بالطبع، يجري كل هذا على مرأى من الجهات الرسمية المختصة، وعلى مرأى واضح وفاضح لمنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان والطفل، دون أن يرفّ جفن لأحد منهم، أو يُوقظ ضميرهم بقدر قسط صغير من شهرة يسعون إليها عبر المنابر ووسائل الإعلام. فهل تتحرك فعّاليات أخرى، ليتمّ إنقاذ أطفالنا من براثن عاهات وأمراض نفسية واجتماعية تقضم مستقبل البلاد..؟