الحلويات تذيق المستهلك مرارة أسعارها حلويات رمضان تهجر السُّفر وحلويات العيد تهجرها الأسر

هاهي ذي الحلويات تصبح ملطخة بمرارة الأسعار التي جعلتها حكراً على الأغنياء دون سواهم، عندما أصبحت أسعارها تفوق أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء، فقد وصل سعر بعض أنواع الحلويات إلى أكثر من 3 آلاف ليرة للكيلو الواحد، حتى حلويات الفقراء من (مشبك  عوامة  هريسة..) وغيرها من الحلويات أصبحت ثقيلة الوطأة على الفقراء، لأنها رفعت من أسعارها، إذ كانت سابقاً ب75 ليرة للكيلو، وأصبحت حالياً ب250 ليرة.

وإذا نظرنا إلى موائد السوريين في رمضان، فإنها تكاد تخلو من أصناف الحلويات، بسبب ارتفاع أسعار أغلب المواد الغذائية الأساسية التي لم تعد تترك مجالاً للمستهلك أن يفكر بشراء الحلويات أو تذوقها، بل حذفها من خانة استهلاكه.. فالأهم لدى المستهلك أن يؤمّن الغذاء الأساسي من رز وسكر وسمون وزيوت، وفي حال زاد شيء من دخله، فإنه سيوجه هذه الزيادة إلى الأمور الأقل أوّلية مثل الألبسة والحلويات.. ولكن أسعار الحلويات حالياً تحتاج إلى دخل مستقل، لأن بقايا الراتب لن تلبي شراءها، لأن أسعارها أصبحت في العنان، ما أدى إلى تراجع إقبال الناس على شرائها، بسبب تراجع الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

(النور) حاولت رصد أسواق الحلويات، والتقت عدداً من أصحاب المحلات، إضافة إلى أمين سر جمعية الحلويات والبوظة في دمشق.

أمين سر جمعية الحلويات بدمشق: انخفاض الطلب وهامش أرباحنا أيضاً!

أوضح ماجد حقي، أمين سر جمعية الحلويات والمرطبات والبوظة بدمشق وعضو في مجلس اتحاد الحرفيين، أن الطلب على الحلويات في دمشق انخفض بنسبة 55-60% مقارنة مع العام الماضي.

وأشار في تصريحه ل(النور)، إلى أن المواد الأولية المتعلقة بصناعة الحلويات من سكر وسمون وزيوت وغيرها، كانت متوفرة أكثر من الآن وبأسعار مقبولة، أما حالياً فثمة احتكار للمواد الأساسية اصطنعه بعض التجار، وقام بعض المستوردين بتخزين المواد الأولية في المستودعات مثل السكر ومن ثم بيعه بأسعار مرتفعة. وفي مقارنة الأسعار العالمية للمواد الأولية مع أسعارها محلياً، نجد أن السعر العالمي أقل من السعر المحلي، فالسكر عالمياً سعره أقل من دولار واحد.

ولفت حقي إلى أن سبب انخفاض الطلب، أن الحلويات مادة كمالية لدى أغلب المستهلكين، مشيراً إلى أن الطلب في بداية رمضان كان على حلويات (القشاطي)، أي الحلويات التي تدخل فيها مادة القشطة، أما في منتصف رمضان وما بعد، فإن الطلب زاد على الحلويات التي تدخل فيها مادة (المكسرات). أما بالنسبة إلى حلويات الفقراء من (مشبك وعوامة والهريسة) فالطلب عليها ضعيف، لأن أسعارها ارتفعت كثيراً، وأصبح سعر كيلو العوامة 250 ليرة، وكان سعره 75 ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة للمشبك وذلك نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية. فمادة (السميد) ارتفع سعر الكيلو الواحد من 45 ليرة إلى 150 ليرة. والفستق ارتفع الكيلو من 750 ليرة إلى 3600 ليرة، مع الإشارة إلى أن مواصفات الفستق قد تدنت. أما كيلو الصنوبر فأصبح ب10 آلاف ليرة، والصيني أصبح ب7500 ليرة، وكيلو الجوز ب 4 آلاف ليرة.

وعن نسب أرباح بائعي الحلويات قال حقي: (نسبة الربح انخفضت إلى أقل من 25%، مع الإشارة إلى أن الرأسمال الذي يدفعه المصنع أو تاجر الحلويات أصبح أكبر من السابق، فقد كان سابقاً يربح 250 ليرة بالألف ليرة، أما حالياً فهو يدفع 4 آلاف ليرة لكي يربح 250 ليرة! ولا ننسى التكاليف الأخرى من أجور عمال وضريبة وكهرباء وغاز ومازوت وغيرها التي ارتفعت أسعارها إلى أكثر من الضعف)، متوقعاً أن يكون الطلب على حلويات العيد بمعدل وسطي.

المبيعات انخفضت بنسبة 85%

في حين أكد صاحب محل حلويات في منطقة المرجة ل(النور)، أن صناعة الحلويات تأثرت تأثراً كبيراً نتيجة الأحداث الراهنة، مشيراً إلى أن المبيع انخفض بنسبة 85%، وذلك بسبب غياب السائحين عن البلاد. وكانت هذه السلعة تعتمد على السائح أكثر من المستهلك المحلي، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية الداخلة في صناعة الحلويات، منبهاً إلى أن معظم أنواع الحلويات التي يقوم ببيعها لم يرتفع سعرها سوى 50 ليرة للكيلو الواحد، في حين تضاعفت أسعار المواد الأولية، مشيراً إلى تضاعف أسعار السمسم والسمنة والزيت والفستق والمكسرات، وهذا بالطبع حمّل صناعة الحلويات أعباء فوق أعباء تواجهها مثل انقطاع الكهرباء المتكرر وشراء المازوت للأفران ومصروف المولدات الكهربائية، عدا ارتفاع أسعار الغاز.

وأوضح أن ارتفاع أسعار الحلويات ليس من صالح التاجر، لأن السوق حالياً يعاني ركوداً كبيراً، والمستهلك المحلي، الذي أصبح هو المستهلك الوحيد بعد غياب السياحة، لن يشتري بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض قدرته الشرائية، وخاصة أنه يعد الحلويات من الكماليات، وها نحن أولاء رفعنا سعر الكيلو الواحد 50 ليرة فقط، ولم يعد أحد يدخل المحل، فكيف إذا رفعنا السعر أكثر؟

التوجه لصناعة حلويات رخيصة الثمن

في حين أوضح أبو إبراهيم، صاحب محل حلويات في المرجة بدمشق، أن نسبة المبيعات انخفضت كثيراً، وأن معظم أصحاب المحلات توجهوا لصناعة حلويات رخيصة الثمن، بما يتناسب وارتفاع الأسعار الحالي، عسى أن ينشط الطلب قليلاً ويتحرك البيع، وفق قوله.

ورأى أبو إبراهيم أن تاجر الحلويات لا يرغب أبداً في رفع أسعاره، لأن ذلك من شأنه أن يضر مصلحته بالدرجة الأولى، وخاصة أن معظم المواطنين يعانون حالياً صعوبة تأمين موادهم الغذائية الأساسية، ولا يلتفتون إلى الحلويات. وعن الحلول قال أبو إبراهيم: (ننتظر الفرج، ولا يوجد حل سوى أن تحل الأزمة الراهنة التي تتعرض لها سورية، عسى أن تعود الأسعار إلى ما كانت عليه وتعود حركة السياحة إلى سابق عهدها).

كما قال بائع حلويات آخر، إن ارتفاع الأسعار جاء نتيجة جودة المكونات الداخلة في صناعة الحلويات، مثل الفستق والسمنة وغيرهما، مؤكداً أن أغلب زبن المحل، رغم أنهم من الميسورين مالياً، إلا أنهم أصبحوا يطلبون كميات أقل من التي اعتادوا شراءها في السابق.

المستهلكون يحذفون الحلويات من مشترياتهم!

المواطن رامي، من أصحاب الدخل المحدود، حاله كحال الكثير من الأسر التي ألغت بند الحلويات من قائمة مشترياتها، أوضح أنه كان سابقاً من رواد أسواق الحلويات هو وعائلته، ويقول: (ارتفاع أسعار الحلويات، دفعني لأن أضع الحلويات ضمن بنود السلع المخيفة والمرهقة، وفي الوقت نفسه أحاول أن استعيض عن ذلك بصنع الحلويات منزلياً، إلى أن يعود الاستقرار في أسعار الحلويات، مشيراً إلى حلويات العيد).

وأكد ساري، أحد العاملين في محل لصناعة الحلويات في ساحة المرجة، أن ارتفاع الأسعار أثّر على تاجر الحلويات قبل المستهلك، وذلك لأن إحجام المستهلك يعني كساداً وضعفاً في المبيعات، مشيراً إلى أن الزبون غير مجبر على شراء الحلويات، في حين تاجر الحلويات لا يعرف غير مهنة الحلويات وقضى عقوداً طويلة فيها فهو المتضرر الوحيد. ورأى ساري أن ارتفاع سعر كيلو السكر أثّر على أسعار الحلويات كثيراً، إضافة إلى ارتفاع أسعار صفيحة زيت الصويا، مما جعل مهنة صناعة الحلويات تُهدد بالانقراض، نتيجة الغلاء الذي طرأ على أهمّ موادها الأولية، والتي انعكست على أسعار الحلويات، وبالتالي انعكست على حركة البيع والشراء، فانخفضت المبيعات إلى أكثر من النصف وغابت كثير من الوجوه التي كانت تأتي يومياً إلى محل الحلويات.

بائع حلويات آخر ذكر أن سعر السكر وصل في الآونة الأخيرة إلى 150 ليرة للكغ، وارتفع زيت الذرة من 130 إلى 225 ليرة لليتر الواحد، والدقيق من 110 إلى ،250 لافتاً إلى أن هذه الزيادات كانت متوقعة بسبب حلول شهر رمضان الذي ترتفع فيه أسعار الحلوى، نتيجة زيادة الطلب عليها، لكن هناك تراجع في الشراء، وخاصة للأصناف الغالية الثمن.

يبقى القول إن الحلويات التي هي مادة كمالية، أصبحت بالنسبة لذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل مادة خيالية أي لا يراها إلا في الأحلام، ويسمح له أن يتخيلها أو يشاهدها فقط على واجهات المحلات، أما أن يتذوقها فهذا أمر يحتاج إلى معادلات رياضية كثيرة وإلى قاموس جديد في العمليات الحسابية.. ولا يبقى لنا إلا أن نقول لذوي الدخل المحدود: كلوا البسكويت والنوكا، فهي أرخص، وذلك حرصاً على صحتكم وصحة أسنانكم من التسوس.

العدد 1107 - 22/5/2024