الرهاب من الإسلام

الإسلاموفوبياIslamophobia) ) أو الرهاب من الإسلام، مصطلح ظهر في الغرب نحو عام 1910 فكرةً مسبقة عن الإسلام ومفهوماً غير معزول عن سياق الاستشراق من منظور خلفيته الاستعمارية، ومعناه هو التحامل والكراهية تجاه المسلمين، أو الخوف منهم أو من الجماعات العرقية التي ينظر إليها على أنها إسلامية. ويُعَرفه البعض على أنه تحيز ضد المسلمين أو شيطنتهم.

هذه الظاهرة تصاعدت حدّتها في العالم بعد العمليات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من أيلول عام 2001 والتي تبناها تنظيم القاعدة. ومن الممكن أن نقول إن سببها يضرب جذوره عميقاً في ذهنية الطرفين بسبب المسلسل طويل من العلاقات المضطربة بين الغرب والإسلام، استقر في خطاب الطرفين بوصفه تعبيراً عن خطر داهم محدق يتهددهما، ربما انطلاقاً من الاقتران المتكرر الذي يمكن ملاحظته في مسيرة التاريخ، الذي يوحي وكأن هناك نوعاً من العلاقة الحتمية بين صعود نجم الحضارة الإسلامية وانحدار نظيرتها الغربية والعكس صحيح.

مصطلح (الفوبيا) أو الرهاب، مستمد من علم الأمراض النفسية، يتم التعبير بواسطته عن نوع من أنواع العصاب القهري، بحيث لا يملك المريض القدرة على التحكم في ردود أفعاله عند تعرضه لموضوع خوفه، فيضيق صدره ويجف ريقه وتتزايد ضربات قلبه ويشحب وجهه وترتعش أطرافه، ليدخل في حالة فعلية من الفزع غير المسيطر عليه.

ولهذه الظاهرة أسباب كثيرة منها:

– الصراع بين الشرق والغرب، الذي ارتدى في فترات كثيرة الثوب الديني.

– جهل كل من الطرفين بالآخر.

– الصراع العربي – الإسرائيلي، فقد عمل اللوبي الصهيوني على تقديم صورة الحمل الوديع للإسرائيلي الذي يبحث عن حياة هانئة، بينما هو محاط بقطيع من الذئاب المتوحشة التي تريد افتراسه، وساعد على تكريس هذه الصورة بعض التصريحات غير المسؤولة من بعض السياسيين والقادة العرب والمسلمين.

– تضارب المصالح واختلاف المنطلقات القيمية بين الشرق والغرب، إضافة إلى بعض العادات والتقاليد البالية الشرقية التي لا تمت إلى الدين بصلة.

– الخلط بين مبادئ الدين الإسلامي وتصرفات بعض المسلمين التي هي مرفوضة ومدانة من قبل الجميع.

كل ذلك أدى إلى تبني صورة نمطية للمسلمين في الذهنية الغربية، والتي تطورت عبر قرون طويلة ظللتها أجواء التصارع والتفاعل المتوتر غير المتوازن بين الجانبين، فأسقطت على الشخصية المسلمة كماً هائلاً من الافتراءات والخيالات المريضة، إذ تصورها بالجشع والنهم والغباء والسفه والمكر واحتقار المرأة والتكالب على الشهوات. كما كان للتطبيق المتزمت للإسلام، الذي يركز على الشكل، على حساب الروح والمضمون، من جانب بعض أنظمة الحكم التي تزعم اتخاذ الإسلام منطلقاً للتشريع فيها، كان لذلك النصيب الأكبر في الإساءة إلى الإسلام وتخويف الناس منه. إذ أظهرته تلك الأنظمة وكأنه جلاد قاس متحجر القلب متعطش للدماء يطارد الناس لسلبهم حرياتهم وحرمانهم من كل مظاهر البهجة، وإجبارهم على إتيان الفرائض والطقوس الدينية على الرغم منهم!.

وأخيراً التفجيرات والاعتداءات الإرهابية ضد الأهداف المدنية في عدد من البلدان الغربية، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسبانيا وفرنسا، والإسلامية أيضاً، كالسعودية ومصر وباكستان والأردن وأخيراً في سورية (وخصوصاً مشهد القتل الشنيع الذي تعرض له جندي في الجيش العربي السوري والتهام بعض أعضائه من قبل قاتله)، التي تبنتها جماعات تزعم انتماءها إلى الإسلام، كتنظيم القاعدة و(داعش) وأفعالهما في بلاد الشام في السنوات المنصرمة، لتصب في تيار تصعيد المخاوف من الإسلام، ولتعطي لأعدائه المزيد من المبررات لمحاربته وتضييق الخناق عليه، بحجة مسؤوليته المباشرة عن توليد الإرهاب والإرهابيين!

(الإسلاموفوبيا) في الغرب بدأ يقابلها (المسيحوفوبيا) في البلدان الإسلامية، فقد أخذت بعض التنظيمات الدينية المتزمتة والمتطرفة تنظر إلى مواطنيها المسيحيين على أنهم طابور خامس مزروع بينهم يتحين الفرصة للانقضاض عليهم، كما يحدث في العراق ومصر وليبيا وتركيا وباكستان حيث سجلت عمليات اعتداء طالت المواطنين في هذه البلدان.

ولمعالجة هذه الحالات المرضية يجب على العقلاء من الطرفين إبعاد الدين عن الخلافات السياسية، والتركيز على القيم الإنسانية التي تجمع كل الأديان السماوية والأرضية والفلسفات الأخلاقية التي تهدف إلى السمو والارتقاء بالإنسان واحترام جميع المعتقدات وعدم تسفيه الإيمان المخالف، عندئذ نكون قد خطونا الخطوة الأولى في عملية تحويل الصراع بين الأديان إلى تنافس فكري وأخلاقي وأدبي يهدف إلى رفع الظلم ومكافحة البؤس عن البشرية جمعاء.

العدد 1107 - 22/5/2024