رحيل ناظم الجعفري عاشق دمشق

عن عمر مديد ناهز التسعين عاماً،رحل فنان سورية ..وعاشق دمشق ناظم الجعفري.

يعدّ الفنان التشكيلي السوري ناظم الجعفري شيخ المصورين السوريين. اتخذ من الفن عالماً حميماً، ومدّ به ومن خلاله، الجسور إلى الحياة التي حماها وصانها، بعزلة طويلة تجاوز عمرها نصف قرن من الزمن.      

ولد الفنان الجعفري في دمشق عام 1918. سافر على حسابه الخاص إلى القاهرة عام 1943 لدراسة فن التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة التي أنهاها عام 1947 على أيدي رواد هذا الفن في مصر. كان الفنان السوري الوحيد بين مجموعة الفنانين التشكيليين المصريين الذين أسسوا كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 1960 (وكانت يومها معهداً عالياً يتبع وزارة التربية).

 قام بتدريس مقرر التصوير الزيتي فيها حتى ما بعد ستينيات القرن الماضي، انسحب بعدئذ من التدريس والعرض وممارسة النشاطات الاجتماعيّة والفنيّة المختلفة، حتى جاء معرضه العام 2005 ضاماً شريحة متواضعة من إنتاجه الغزير الذي تجاوز الخمسة آلاف لوحة، جلّها مكرس لموضوعات دمشق القديمة: عمارةً وناساً وطبيعةً وعادات وتقاليد وحِرفاً وصناعات تقليديّة ومظاهر شعبيّة مختلفة، وجميعها قام بإنجازها في أرض الواقع.

يُصنف الفنان الجعفري ضمن جيل الرواد الأوائل في التشكيل السوري المعاصر. وهب حياته للفن، وعاشه بطريقته الخاصة التي اتسمت بالعزلة، والحدة، والتمرد، والتواري عن الضوء الاجتماعي والإعلامي . يعدّ الفنان الجعفري من أغزر الفنانين التشكيليين السوريين إنتاجاً وإخلاصاً لهذا الإنتاج. فقد عزف عن بيع لوحاته أو إهدائها، ورفض طلبات تنفيذ لوحات خاصة للراغبين. كما رفض بيع أو إهداء اللوحات الخاصة التي كان قد نفذها لشخصيات سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة معروفة في المجتمع السوري. اتسمت حياة هذا الفنان بالنفور، والانعزال، والعند، والعشق المدنف للفن ولدمشق التي قام بمسح أبرز وأهم معالمها الحضاريّة والإنسانيّة، بلوحات نقية وجميلة، اجترحها في أرض الواقع ، مباشرةً فوق بياض اللوحة، أي إنه لا يمهد لها بالدراسات السريعة (الاسكتشات)، وإنما يقوم بتنفيذها مباشرة بالألوان، في أرض الواقع وعن الواقع.

لا يصنف الفنان الجعفري نفسه في أيٍ من الاتجاهات والمدارس الفنيّة، ولا يقصر لوحته على موضوع واحد، بل يترك الموضوع هو من يفرض نفسه عليه.

سعى الفنان الجعفري إلى رصد الجمال الحقيقي البعيد عن القشور والتزاويق الفارغة ونقله إلى لوحته. فما كان يهمه في الإنسان هو المضمون وليس الشكل، ولا يحسب حساباً لما تحتاجه اللوحة من وقت وجهد ومال لإنجازها، وإنما يمنحها كل ما يلزمها، وبعيداً عن أي نوع من التساهل أو الاستسهال، لأنه في النهاية هو من ينجز العمل الفني وهو من يشتريه، أي تنتفي المضاربة من هذه المعادلة، وتبدأ عنده بالخط (الرسم) وتنتهي باللون. الرسم أساس فيها، كما اللون. أي لا يمكن الفصل بين (الرسام) وبين (الملوّن) في شخصية الفنان التشكيلي، الذي يجب عليه أن يتملك الناصيتين معاً ليكون فناناً ناجحاً.

العدد 1105 - 01/5/2024