أوركسترا ماري.. أوركسترا من بلدي

 حضرت أمسية موسيقية لأوركسترا ماري السورية، في دار الأوبرا بدمشق. هي أول أوركسترا سيمفوني للفتيات السوريات. انطلقت الفرقة عام ،2006 وهي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، يقود الأوركسترا ومديرها الفني الأستاذ رعد خلف.

عنوان العرض (حضارات قديمة)، كنا ننوي الذهاب لحضوره في مطلع شهر أيلول الحالي، لكن تعذّر ذهابنا بسبب السقوط الكثيف للهاون. إلى أن اتصلت بي ابنة عمي ماري صباحاً وقالت إنها حصلت على بطاقتين من إحدى العازفات. قررنا الذهاب بلا تردد لكسر روتين الحرب الباردة التي نعيشها. وصلنا مساءً  إلى ساحة الأمويين بمنظرها الساحر وجبل قاسيون يلفها وذاك السيف الدمشقي المضيء، وحركة السيارات وضجيج الأمل، فيها تعطيني دائماً انتعاشاً واعتزازاً أحبه ودعماً دافئاً لعنفواني وكبريائي السوري.

دخلنا إلى الدار ومنها إلى القاعة المخصصة وانتظرنا بدء العرض، وبقي المسرح فارغاً إلى أن بدأت العازفات الجميلات الدخول، بفساتينهن الملونة وآلاتهن، وبعد جلوسهن في أماكنهن المخصصة، جذبني منظرٌ راقٍ من فرقة نسائية سورية يعزفن بتقنية عالية  مقطوعات موسيقية من (آشور، ماري، أفاميا، تدمر، فينيقيا، عناة وبعل، أوغاريت، إيبلا، جلجامش). كان مزيجاً رائعاً وحضارياً من الألحان والحنان يمنعك من التشتت ويجذبك من البداية حتى النهاية.

كان مزيجاً رائعاً وحضارياً من الألحان والفرح يذكّرك بقدوم الربيع ونحن في أول أيام الخريف!

عندما قدمت معزوفة تدمر المهداة إلى روح (خالد الأسعد) أدمعت عيني فجأة، وأنا كنت منذ الصباح أشعر بالملل ونسائم الخريف تحرك أسئلة قلقة يثرثرها عقلي ولا يهدأ.

لكن اللحن الشجي والمقطوعات الموسيقية أخذني إلى الحلم والأمل إلى حضارة قديمة نسمعها، وحضارة جديدة سنصنعها نحن السوريين نساء ورجال.

ازدحمت أفكاري وصرت أفكر كم نحن شعبٌ مبدعٌ وقادرٌ وتليقُ به الحياة! صرت أفكر خصوصاً بالنساء السوريات العازفات الرقيقات والقويات كيف يحتملن عبء الحياة والحرب ويقدمن فناً ولا أروع. صرت أفكر بامرأة سورية تدمرية نازحة من تدمر التقيتها صباح اليوم نفسه، وكيف تحتمل مشقات النزوح مع عائلتها ودون زوجها، وكيف أعطتني شيئاً من قوتها. صرت أفكر كيف أننا شعب يقاوم ويقاوم ويقاوم حرباً أممية جهنمية، وكيف أننا تأخرنا عن أشياء كثيرة في حياتنا بسبب الحرب. لكن، علينا ألا نحزن، لأننا سنكسب وطناً سيولد من جديد من صمودنا وإبداعنا، كلٌّ حسب عمله ودوره ومنصبه.

صرت أفكر اليوم بالمرأة السورية أياً كان دورها ومسؤولياتها كيف أنها مستمرة بالرغم من محنتها، وكيف أن قوتي من قوتها. فأنا أفتخر جداً بل كثيراً جداً لأنني منكن يا نساء سورية، ولأنني منك  يا سوريتي!!

و أختم وأقول لكِ يا سيدتي السورية: كيفما كنت ومهما كان دورك، فإنكِ جميلةٌ وقويةٌ، كما دمشق متدفقةٌ بالانتظار والحنين مثل بردى.لا تنسي سيدتي أنكِ جميلةٌ وقويةٌ كما دمشق متدفقةٌ بالانتظار والحنين مثل بردى!

رغم كل الأصوات التي تنخر شعورك الوطني لكي تترك وترحل، أشعر أنني أفعل أهم شيء في حياتي أنني مع بلدي في محنته، وهذا يعطي معنىً قشيباً لحياتي.سأرحل في الوقت المناسب، لكنني اليوم باقية و أعلن موقفي السياسي من جديد: أنا مع حبيبي قاسيون، أنا مع بردى.. آهِ ما أطيبه بردى! أنا مع الناس، أنا مع سيدتي الجميلة دمشق!!

هنا فنٌّ رفيعُ المستوى.. هنا إنسان يقاوم.. هنا حضارات قديمة.. هنا نبني حضارة سورية جديدة.. هنا صمود منيعٌ في وجه الإرهاب.. هنا نصرٌ للحياة.. هنا صامدون.. هنا باقون.. هنا صامدون.. هنا قاسيون.. هنا دمشق.. هنا سورية.

العدد 1105 - 01/5/2024