الأزمة اليمنية… الأسباب والنتائج

سقط نظام الرئيس علي عبدالله صالح في اليمن، بعد أن وصل إلى مرحلة عجز فيها عن معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في البلاد، وفشل في تلبية تطلعات أجيال الشباب الصاعد الذي اعتبر قضايا الحريات وحقوق الإنسان مسألةً جوهريةً لحياته ووجوده دون استعداد منه لقبول المقايضة التي قبل بها آباءه، والتي اقتضت التنازل عن الحرية وحقوق الإنسان مقابل تحسين الوضع الاقتصادي-الاجتماعي، معتبرين أن من حقهم أن يطالبوا بطرفي المقايضة معاً. إلا أن الثورة الشعبية التي قامت في اليمن لم تؤد إلا إلى إسقاط الرئيس صالح دون أن تطيح بنظام الحكم برمته، الأمر الذي أدى إلى (ثورة معاكسة) أدخلت البلاد في حرب أهلية تحولت إلى حربٍ إقليميةٍ بالوكالة قد لا يبدو أن هناك أملاً بإنهائها في القريب، بسبب صراح المحاور الإقليمي في المنطقة.

هذه الأزمة التي رافقها إغلاق السفارات الغربية في اليمن (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا)، جعلت الأمم المتحدة تحذر على لسان أمينها العام بان كي مون من أن اليمن يتفكك أمام أعين الجميع، خصوصاً أن اسم (الحوثيون)، بدأ يرتفع بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 تشرين الثاني 2014 وتهديد تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب بشن حرب لا هوادة فيها ضدهم، بالتحالف مع مجموعات قبلية مدعومة من السعودية وقطر، في الوقت الذي بدأ الحراك الجنوبي يطالب بانفصال المحافظات الجنوبية وإعلان استقلالها. وشكلت في الوقت نفسه تهديدين شديدي الخطورة على الأمن القومي لدول المحاور المتصارعة. الأول هو وضع اليد على حقول النفط في مأرب، أما الثاني فيتمثل بالسيطرة على مضيق باب المندب الذي يعتبر المدخل الرئيسي إلى قناة السويس الشريان الحيوي في التجارة الدولية.

أصبح النفطُ هدفاً أساسياً تسعى القوى المتصارعة في اليمن إلى السيطرة على منابعه وطرق إمداداته. فقد كانت الدولة اليمنية على مدى عقدٍ من الزمن في صراعٍ مستمرٍّ مع القبائل حول ادعائهم أحقيتهم في الحصول على نصيبٍ من هذه الثروة بحجة وجودها في أراضيهم، لذا كان النظام السياسي يسعى إلى استرضائهم، واعتماد مبالغ مالية تحت بند حماية شركات النفط وخطوط إمداداته، مما حوَّل هذا الأمر إلى نوعٍ من الابتزاز العلني لموارد الدولة.

(مأرب) الكنز الثمين

موقع محافظة مأرب اليمنية، وتربّعها على العرش النفطي، شرقي البلاد، أوقعها في فخ (أطماع) القوى المتصارعة على الأرض. إذ تضم محافظة مأرب الغنية بالموارد النفطية ما نسبته 70% من موارد النفط في اليمن، فهي تقع على بحيرة من النفط تمتد شرقًا إلى محافظة شبوة، وغرباً باتجاه محافظة الجوف، ويمتد منها الأنبوب الرئيسي لضخ النفط من حقول (صافر) إلى ميناء رأس عيسى على البحر الأحمر غربي البلاد بمحافظة الحديدة. كما يوجد بها أنبوب لنقل الغاز المسال إلى ميناء بلحاف جنوباً على بحر العرب بمحافظة شبوة، إضافة إلى وجود محطتي مأرب الغازيتين اللتين تمدان العاصمة صنعاء وعدة مدن يمنية بالطاقة الكهربائية، إضافةً إلى أنها تُعتبر من أهم المناطق الزراعية في اليمن.

الآثار والنتائج

في حال نشوب الحرب، من المتوقع أن تكون حرباً لا هوادة فيها، فالحوثيون وإيران يعتبرون سيطرتهم على العاصمة غير كافٍ، وأن إحكام سيطرتهم لا يتحقق إلا بالسيطرة على الموارد، فالسلطة والثروة هما الكفيلتان باستمرار بقاء الجماعة متحكمة في مفاصل الدولة، كما أن القبائل مصرة على الدفاع عن أراضيها، ويعتبرون قدوم جماعة الحوثي إلى محافظة مأرب غزواً، ومقاومته واجب مقدس، بينما يحاول تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب السيطرة على هذه المنطقة التي ستؤمن له الموارد المالية والغذائية، وتكون بمثابة خزان بشري له كي يتمكن من تحقيق أهداف جماعات الجهاد العالمي. لذا يمكن أن نحصر آثار الحرب ونتائجها فيما يلي:

1- تدمير شامل لآبار النفط والغاز وإمداداتهما، وهو ما يُعد خسارة كارثية لبلدٍ يُعاني أصلاً من الفقر والعوز، وضعف اقتصادي وتنموي واضح.

2- نظرًا إلى العديد من الأزمات المالية والسياسية وأزمات الموارد التي تُعاني منها الدولة، لا يمكن أن تتحمّل اليمن كلفة هذا الصراع لمدة طويلة، وبالتالي فإن الانهيار الكامل للدولة قد يكون النتيجة الحتمية.

3- سيطرة جماعة الحوثي أو تنظيم القاعدة على منابع النفط يعني تحولاً نوعياً يؤثر على دول المنطقة.

4- في حال سيطرة جماعة الحوثي أو تنظيم القاعدة على مأرب، فمن السهل عليهما التوجه نحو باب المندب والسيطرة عليه، وما يستتبع ذلك من تهديد لطرق الملاحة والتجارة الدولية وبالأخص بالنسبة لتنظيم القاعدة، إذ يسيطر تنظيم الشباب الصومالي على الضفة الأخرى من المضيق.

إن صعود الحوثيين مؤخراً إلى قمة السلطة في اليمن وظهور تنظيم القاعدة كقوة مقابلة يحتاج إلى التأمل ملياً في المنظور الإستراتيجي لصراعهما المنتظر، ذلك أن اليمن تقع في منطقة هامة استراتيجياً من ناحية موقعها الجغرافي وإطلالتها على مضيق باب المندب الهام، سواء من الناحية التجارية وخاصة التجارة الدولية للنفط، أو من الناحية العسكرية بالنسبة للسيطرة على البحر الأحمر.

العدد 1105 - 01/5/2024