ثمانون عاماً من عطر الياسمين

فيروز، هذا الصوت العذب الذي أعبق صباحاتنا، وزيّن أيامنا، تدخل عامها الثمانين مكللاً بعشق جماهيرها على امتداد العالم.

فيروز.. التي أحبت وحاول إخفاء حبها عن والدتها، فقالت: (دخيلك يا أمي مدري شوبني.. اتركيني بهمّي زهقانة الدني).

وضاعت هذه الصبية  من سوسنة صغيرة أهديت لها (وما بعرف عطاني يمكن سوسنة.. ومن يومها يا أمي مدري شوبني).

فيروز التي بدأ حبها تحت المطر.. وانتهى تحت المطر في الشتاء الثاني.

فيروز  تلك الصبية الصغيرة التي أهداها حبيبها وردة أرتها لصديقاتها وأخفتها بين طيّات كتابها.

وهي تخجل من البوح باسم من تحب كي لا ينتشر اللّيلك في الطرقات والساحات (لا تسألوني ما اسمه حبيبي… أخشى عليكم ضوعة الطيوب.. والله لو بحت بأيّ حرف… تكدّس اللّيلك في الدروب).

فيروز… يسرقها حبها من بين جموع الحاضرين، تركض بعيداً فيسبقها.. وتقول له متسائلة: (ياحبي صرت بآخر أرض.. عم إمشي وتمشي فييّ الأرض.. لوينك بعدك لاحقني؟)

وكبرت فيروز، ومازالت تحب بكبر البحر، وبعد السماء، واتساع الغابات فتقول: (ما أوسع الغابة  وسع الغابة قلبي، يامصوّر ع بابي  ومصوّر بقلبي)!

وحين رسمت موعداً مع حبيبها تأخرت عنه فألقت اللوم على القمر: (لاتعتب عليّ أخرّني القمر..ضيعتنا هنيّة طالعلا السهر)! وتختتم قائلة: (لومك مش علييّ لومك ع القمر).

وحتى بدأ حبيبها يتغيّر اتجاهها جلست قبالته في القهوة البحريّة تنظر إليه وتخاطبه: (بعيونك حنين.. وبسكوتك حنين… لوبعرف حبيبي بتفكر بمين).

وحين رحل عنها بدأت جراحات حبها… وبدأ الشوق يعصر قلبها، فبعثت له برسالة تقول (من يوم تغرّبنا وقلبي عم بيلمّ  جراح… ياريت بتخلص هالغربة تا قلبي يرتاح).

وتبقى فيروز بانتظار انتهاء البعد بينهما، وذات يوم  يأتي إليها العصفور حاملاً معه رسالة من محبوبها، ويطلب منها أن ترسل له رسالة فتقول: (جايبلي سلام عصفور الجناين، جايبلي سلام من عند الحناين.. شوقلّي، شوقلّي عتبان المحبوب.. ما بدك تطّلي ابعتيلو مكتوب).

فيروز الراقية، التي ما نادت حبيبها إلا (حبيبي) حتى في عتابها…

فيروز التي غنت لأعظم البشر، ووصفتها بملاكها وقالت: (أمي وأنت زهر، بعطره أضيع).

فيروز التي غنت للجنوب أروع الأغاني تقول له: (إسوارة العروس مشغولة بالدهب، وإنت مشغول بقلوب ياتراب الجنوب.. وبتولع حروب وبتنطفي حروب وبتضلك حبيبي ياتراب الجنوب).

غنّت للبنان، بلدها وموطنها، (بحبك يالبنان ياوطني بحبّك، بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك).

وغنت لسورية بلدها الثاني قائلة: (مرّ بي، مرّ بي يا واعداً وعداً، مثلما النسمة من بردى، تحمل العمر تبدّده، آه ما أطيبه، بددا).

فيروز غنت للثلج والمطر، لسورية ولبنان وفلسطين وغيرها، للحب والسلام والشوق والعتاب.

فيا ترنيمة العشاق، ويا صوت الملائكة على الأرض، ويا بوح الياسمين، مبارك عليك عامك الثمانين مكللاً بالياسمين.

العدد 1105 - 01/5/2024