الفساد في ظل الأزمة

مع تفاقم الأزمة في سورية منذ بدايات العام 2011 بدأنا نتلمس تفاقم ظاهرة الفساد مع ما يمر به البلد من أوضاع داخلية وخارجية، وفي ظل أزمة عالمية أدت إلى انخفاض القيمة الشرائية لدخل المواطنين لأسباب عدة، أهمها غياب المعايير الموضوعية لسياسات الثواب والعقاب، وشيوع ظواهر سلبية، وعدم الانضباط واللامبالاة تجاه المصلحة العامة.

وتحت شعار التأقلم مع ما تفرضه الأزمة من تداعيات وتطورات، شهدنا أكبر خرق وتجاوز للقانون والنظام العام، والغياب شبه التام للإجراءات الحكومية الرادعة بحق كل شخص يثبت فساده خلال فترة الأزمة، والدليل أنه طيلة  الأزمة لم تعلن الحكومة عن توجيه تهمة الفساد إلى شخصية لها علاقة بمعاناة السوريين أو كشف تلاعب تاجر أو صناعي واحد، أو عملية استغلال (ولو كانت يتيمة) للظروف الحالية.. ونتيجة ما أفرزته الأزمة من ضغوط نفسية ومعنوية ومادية كبيرة على المواطنين والموظفين والمؤسسات والجهات العامة والخاص، وبسبب كل ذلك علا صوت الفساد.

وعند لقائنا أحد المحللين الاقتصاديين قال: إن قوى الفساد الكبيرة تسعى جاهدة إلى تثبيت ميل جهاز الدولة باتجاه الفساد وقمع أي دور مناهض لهذا الفساد، مستغلة ما تتعرض له سورية الدولة من مؤامرات، وتحت ذريعة أن الفساد ظاهرة ملازمة للإنسان والمجتمع أينما وجد.. ولم يعد خافياً على أحد أن تلك النتائج والانعكاسات التي أودعتنا إياها الأزمة التي مازالت تعصف بالبلاد بشكل عام وبالاقتصاد وقطاعاته العديدة بشكل خاص… وبحسب المحللين الاقتصاديين إن معالجة ظاهرة الفساد تتطلب منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية وديمقراطية.

إن التصحيح وإعادة وضع القطار على سكته يبدأ باعتبار الإصلاح الإداري أداة استراتيجية تأتي من أنه عنصر أساسي يؤمّن بناء القدرات وتكوينها، ويشجع على التكيّف مع التغيير، لافتاً إلى أهمية إعطاء الفرصة للخبرات الوطنية للعمل، وهناك الكثير من هذه الخبرات ممن درسوا على نفقة الدولة، وصرفت الدولة عليهم الكثير، ومنهم من اتبع العديد من الدورات التدريبية والمؤتمرات وورش العمل في الخارج رغم صرف الكثير عليهم، يجب الاستفادة من خبراتهم وإعطاؤهم الفرصة ليطبقوا ما تعلموه على أرض الواقع.

ومن الإنصاف التذكير بالعقوبات الجائرة التي فرضتها الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول  العربية، سواء في الاستيراد أو التصدير، والتي أدت إلى إلحاق خسائر كبيرة في الاقتصاد الوطني، ما انعكس سلباً على معظم المواطنين.. لذلك من الضروري إعادة دور الدولة في ميداني الاستيراد والتصدير والتجارة الخارجية، ودعم المؤسسات الاستهلاكية التي لعبت دوراً إيجابياً في التخفيف من الأعباء وتأمين السلع الضرورية لحياة المواطنين.

كل هذا يتطلب عودة عن النهج الاقتصادي الليبرالي، واعتماد اقتصاد تنموي شامل لكل القطاعات الإنتاجية بشقيها الصناعي والزراعي وبشكل عادل على مستوى القطر، ويكون التوجه فيه بشكل رئيسي لخدمة الطبقات الشعبية الفقيرة، ومحاسبة جادة لكل الفاسدين والهادرين للمال العام.

العدد 1104 - 24/4/2024