قوانين البرلمان الأوكراني تشويه وإنكار لمكتسبات الحقبة السوفييتية ورموزها

تبنى البرلمان الأوكراني (الرادا) بتاريخ 9 نيسان 2015 ثلاثة قوانين: يدين الأول النظامين الشموليين السوفييتي والنازي في أوكرانيا، ويعتبرهما متساويين، ويفرض حظراً على نشر الدعاية لصالحهما، ويحظر أي إنكار علني لطابعهما (الإجرامي)، ويمنع أنتاج أو استخدام رموزهما علناً.

وبموجب هذا القانون تمت مساواة الأيديولوجية الشيوعية بالنازية، وتحريم وحظر عمل منظمات الحزب الشيوعي الأوكراني، ومراجعة المناهج الدراسية والمفاهيم التاريخية، وتغيير أسماء المدن والبلدات والشوارع والمنشآت والمؤسسات الحكومية، التي تشير أسماؤها لقادة ورموز الحقبة السوفييتية (سيتم تغيير أسماء 25 مدينة وإقليمين). وشملت لائحة العناصر المحظورة العلم والنشيد والأوسمة العسكرية والعلمية السوفييتية، وإزالة كافة النصب التذكارية للقادة والمفكرين والعلماء السوفييت.

يمجد القانون الثاني عناصر منظمة القوميين الأوكرانيين وجناحها العسكري- الجيش الأوكراني الثوري، ويعتبرهم (مناضلين وأبطالاً في سبيل حرية أوكرانيا)، وسيتمتع هؤلاء بتكريم الدولة وحمايتها لرموزهم، علماً بأنها (منظمة شوفينية، حاربت منذ أواخر 1920 وحتى منتصف القرن العشرين تحت شعار استقلال أوكرانيا ضد البولنديين، ثم ضد السوفييت، بما في ذلك التعاون مع النازيين)، وتاريخها يثير استياء معظم الأوكرانيين والروس.

فيما ينص القانون الثالث على أن يوم 9 أيار، هو (عيد النصر على النازية) بدلاً من النصر في الحرب الوطنية العظمى، تأكيداً على عزل أوكرانيا عن ماضيها السوفييتي ورموزه.

كما تنص هذه القوانين على عقوبة السجن لمدة يمكن أن تصل إلى عشر سنوات للذين يدانون بإنتاج أو نشر رموز سوفييتية أو نازية وخصوصاً عزف النشيد السوفييتي. ويعاقب كل محارب من محاربي الحرب العالمية الثانية بعقوبة السجن لمدة 5 سنوات في حال تجول في الشارع أو تواجد في الأماكن العامة وعلى صدره الأوسمة التي حصل عليها خلال المعارك البطولية، ولمدة 10 سنوات، في حال التظاهر بمسيرات منظمة، لاحتواء هذه الأوسمة على رموز سوفييتية وشيوعية. وتنطبق هذه العقوبة أيضاً على العمال المبرزين، والعاملين في مجال الفضاء، وعلى الأدباء والمثقفين والفنانين الحائزين على الأوسمة لقاء إنجازاتهم في مجال عملهم.

حددت مهمة إتمام القطيعة مع رموز الماضي بمدة زمنية تنتهي في التاسع من أيار المقبل، وهو التاريخ المحدد لاحتفالات روسيا وكل شعوب الاتحاد السوفييتي السابق بذلك الانتصار على الفاشية.

لقد استبقت الحكومة الأوكرانية الحالية هذه القوانين بمراسيم رئاسية تمنع إذاعة وعرض الأفلام التلفزيونية والشرائط السينمائية والمواد الإذاعية الروسية في كل أراضي أوكرانيا، فضلاً عن طرد نحو مئة مراسل وممثل للصحف والمطبوعات والقنوات التلفزيونية الروسية. كما قام النازيون الجدد مدعومين من القوى القومية المتطرفة بتدمير رموز العصر السوفييتي من قيادات الدولة والحزب الشيوعي والقوات المسلحة، ورموز الأدب والثقافة والفن في عدد من كبريات المدن الأوكرانية.

إن هذه القوانين العنصرية، هي محاولة لطمس ملامح الماضي المشترك بين أوكرانيا وروسيا، وتغيير لوقائع التاريخ والجغرافيا، وتشويه لما تحقق من إنجازات على كافة الأصعدة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والعلمية خلال سنوات السلطة السوفييتية، بما فيها تحقيق النصر على النازية وتحرير بلدان أوربا الشرقية من الاحتلال الفاشي، وإنكاراً لأولئك الذين حاربوا الفاشية، وإهانة للملايين الذين ضحوا بحياتهم خلال المعارك ضد النازية في الحرب العالمية الثانية، وهي محاولة لمحو الذاكرة الجماعية للشعب الأوكراني، خاصة فيما يتعلق بقادة ورموز الحقبة السوفييتية، الذين تدين لهم أوكرانيا بكل مكتسباتها الوطنية والجغرافية.

حيث يتناسى اليوم من يتزعم حملة العداء للعصر السوفييتي ورموزه وما فعله قائد ثورة أكتوبر الاشتراكية فلاديمير لينين، حيث أقرّ في مطلع العشرينات نقل تبعية منطقة الدنباس في جنوب شرق أوكرانيا إلى الجمهورية الأوكرانية في إطار تعزيز أواصر الصلات بين ممثلي البروليتاريا الروسية والأوكرانية، وإيجاد طبقة عاملة قوية استنادا إلى القاعدة الصناعية التي كانت موجودة في تلك المنطقة. وتناسى هؤلاء أن ستالين الجيورجي الأصل والشيوعي العقيدة والانتماء كان صاحب مبادرة ضم المناطق الواقعة غرب أوكرانيا، والتي جرى اقتطاعها نتيجة انتصارات الحرب العالمية الثانية من بولندا ورومانيا، ومنها مدينة لفوف وغيرها من كبريات المدن الأوكرانية، ويتناسى هؤلاء، أن نيكيتا خروشوف الأوكراني القومية والأمين الأول للحزب الشيوعي السوفييتي، هو الذي اتخذ قرار ضم شبه جزيرة القرم إلى التبعية الإدارية الأوكرانية عام 1954. ونشير هنا، إلى أنه بموجب هذه القوانين يتعين على الحكومة الأوكرانية الحالية التخلي وإعادة كافة الأراضي، التي ضمتها الحقبة السوفييتية إلى أوكرانيا والتي تبلغ مساحتها ثلاثة أرباع أراضي أوكرانيا السوفييتية.

خلال سبعين عاماً تلت الحرب العالمية الثانية لم تظهر أية بوادر يمكن أن تثير الشكوك في الدور التاريخي الذي لعبته الشعوب السوفييتية في تلك الحرب، وهو ما أكّدَه زعماء الغرب ممن شاركوا في مؤتمر يالطا في شبه جزيرة القرم في الرابع من شباط ،1945 وكانت تتبع آنذاك جمهورية روسيا الاشتراكية وليس أوكرانيا. ومن هؤلاء الرئيس الأمريكي فرانلكين روزفلت، ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل. وهناك الكثير من الشواهد التي تشير إلى عظمة هذه الشعوب، التي استطاعت تحقيق الانتصارات، بدءاً من معركة ستالينغراد وحتى وصولها إلى برلين، مرورا بفك حصار لينينغراد البطلة، التي صمدت أمام جحافل الهتلريين لما يزيد عن تسعمائة يوم، وتحرير الكثير من بلدان أوربا الشرقية، وصولاً إلى رفع علم النصر السوفييتي على الرايخستاغ في برلين في السابع من أيار 1945 قبل وصول القوات الغربية، وإلقاء أعلام الوحدات العسكرية الفاشية تحت أقدام المشاركين في العرض العسكري التاريخي، الذي أقيم في الساحة الحمراء في موسكو في التاسع من أيار 1945.

وهنا لابد من التذكير بقول ونستون تشرشل(بأن كل ما قاموا به من عمليات عسكرية كان على نطاق محدود بالمقارنة مع الجهود الجبارة التي قامت بها روسيا).أما كورد يل هيل وزير خارجية أمريكا في عهد الرئيس روزفلت، فقد قال: (يجب علينا أن نتذكر دائماً، أن الدور البطولي الذي قام به الروس ضد ألمانيا، أنقذ الحلفاء ربما، من عقد صلح منفرد مع الألمان، كان يمكن أن يكون مهيناً للحلفاء ويفتح الباب مجدداً أمام حروب قد تمتد لثلاثين عاماً).

في الحقيقة كانت الحقبة السوفييتية بمثابة حقبة ذهبية لأوكرانيا، حيث اكتسبت صفة الدولة للمرة الأولى عبر جمهورية أوكرانيا السوفييتية. وخلال سبعين عاماً من السلطة السوفييتية شيّدت آلاف المناجم، والمعامل لكافة الصناعات،والمزارع التعاونية والحكومية، ومحطات توليد الكهرباء، وطرق السكك الحديدية، والمشافي، والمعاهد العليا والجامعات، والمدارس، وأنجزت العديد من الاختراعات العلمية والتقنية الرائعة. وتطورت صناعة صهر الفولاذ بشكل كبير جداً عما كانت عليها. وازداد عدد سكان أوكرانيا بنحو 18 مليون نسمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الحقبة السوفييتية، في حين انخفض عدد السكان بنحو 7 ملايين نسمة خلال 20 عاماً من تفكك الاتحاد السوفييتي، علماً أنها تحصل حالياً على إيراداتها المالية الرئيسية من إنتاج المنشآت الصناعية والزراعية والاقتصادية الأخرى التي شُيّدت في العهد السوفييتي.

لذلك تسعى القوى القومية المتطرفة والمعادية للتقارب مع روسيا مدعومة من القوى الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لطمس معالم التاريخ المشترك بين البلدين، وتغيير الجغرافيا ووقائع التاريخ، وإنكار ما تحقق من مكاسب خلال سنوات السلطة السوفييتية، وتحويلها إلى قاعدة لحلف شمال الأطلسي لتشكل تهديداً خطيراً لأمن روسيا القومي، وضمّها إلى الاتحاد الأوربي لتصبح سوقاً تجارية لتصريف السلع والمنتجات الأوربية.

إن الشعب الأوكراني، الذي شهد الإنجازات التاريخية والاجتماعية العظيمة للاشتراكية سيواجه هذه المخططات بقوة وإصرار، وخير دليل على ذلك ما يجري في شرق وجنوب شرق أوكرانيا.

العدد 1107 - 22/5/2024