الشيطان يكمن في التفاصيل

يبدو أن المقولات الاجتماعية والحكايا التاريخية القديمة باتت واقعية هذه الأيام في مجتمعنا وأنظمتنا الإدارية وعمل الجهات المعنية، أما كيف حدث ذلك فهذا يدفعنا إلى الدخول في التفاصيل، والتفاصيل يكمن فيها ما لا تحمد عقباه.

لعل وضع الكهرباء والإنترنت في السويداء بات يسبب قلقاً للسادة المعنيين وربما وسيلة ردع، ذلك لأن جزءاً من أحياء السويداء مشعّ منار، والآخر يعاني ظلمة سوداء، ولكن البحث في التفاصيل يؤثر في إنارة الحارة والحي الذي نسكنه، لذلك آثرنا الصمت والسكون على البحث في المشكلة وتفاصيلها، لأن الحديث فيها لا يغفره أصحاب الأمر والنهي.

أمر آخر: عامل ينقل من عمله تعسفياً ويطلب منه رشوة مالية علانية، ويعود بقدرة قادر إلى مكان عمله بعد أيام قليلة دون البحث في ماهية الحدث، لأن ذلك يثير غضب من يكمن في الجزئيات.

النفايات المنتشرة على الطرقات في الأحياء السكنية والأماكن التجارية يجري التخلص منها بحرقها ونشر مخلفاتها على كل ما يحاذيها خاصة المطاعم ومتاجر الخضار والفاكهة وأطعمة الأطفال، و(البيئة) تغض الطرف عنها، ولا نستطيع البحث في تفاصيلها لأن فيها فكرة مسروقة من أماكن أخرى، وذلك مؤشر إلى عدم اكتراث مديرية البيئة ومسؤوليها، فالأهم لديها أن لا يقترب أحد من عرش الإدارة فلا يمسها إلا المطهرون، يعني الدخول في الجزئيات يكمن فيه ما يدخل المخالفين إلى النار.

التشفيط بالدراجات النارية وما يسمى (التقبين) على دولاب واحد، والاستعراض في الشوارع والأزقة وفتح الإشطمانات للإزعاج، على مرأى من رجال الأمن الداخلي، دون أن يتدخلوا، لكنهم يحررون المخالفات للسيارات الواقفة على جوانب الطرقات بلا رحمة ولا شفقة…وحين تسأل أحداً منهم عن الدراجات النارية ومخالفتها للقوانين وتسببها بالحوادث يكون الرد: لا نريد الدخول في التفاصيل لأن الشيطان يكمن فيها.

الأسلحة التي سلمت لجيل من الشباب بهدف الدفاع الوطني وغيرها من المهام، مع أن بعضهم كان مسجوناً وموقوفاً بتهم عديدة تحمل في مضمونها الرعونة والتهور واللامبالاة.. فبعضهم يعودون إلى منازلهم ليلاً، ويطلقون العيارات النارية دون سبب، فقط بقصد لفت الانتباه… وحين تتساءل يكون الرد جاهزاً: نحن من يدافع عن الوطن يحق لنا فعل كل شيء.. والأهم حين تتقدم بشكوى بحق هؤلاء يفرضون الأتاوة، والجواب لايمكن الدخول في المضمون لأن فيه شيطاناً.

وهنا السؤال الذي لابد منه: هل بات الشيطان الذي يكمن في التفاصيل، يشكل منظومة حياتنا اليومية بكل تفاصيلها ويعرقل مسيرة التقدم ومحاسبة المخالفين؟

أم أننا فقدنا القانون الذي هو عنوان حضارة الشعوب والأمم بإنسانيتها، وبتنا شيطاناً أخرس نخاف ونصمت عن الأخطاء كي لا نعاقب بفعل الشيطان؟!

أم أن الجهات المعنية لا تريد الدخول في التفاصيل خوفاً من الشيطان على مكانتها؟! سؤال نتركه لمن أراد السمع وهو شهيد، وهو لا يخاف الشيطان ولديه الجرأة للدخول في التفاصيل ومعالجتها بكل ثقة ووطنية لأن الوطن يحتاج إلى هؤلاء.

العدد 1105 - 01/5/2024