حكومة نتنياهو الجديدة وسياسة الباب الدوار

قالت نعومي حزان، عضوة كنيست سابقة: (بالتأكيد في إسرائيل توجّهات فاشية مقلقة، والدولة تمرّ بتغيّر جوهري، ولا أحد ينتبه إلى ذلك، فحملة انتخابية يكون شعارها (لا مواطنة من دون ولاء) هي حملة عنصرية، وعندما تتدهور الأمور لن يستطيع أحد إيقافها) (1).

لقد أصابت نعومي حزان كبد الحقيقة في تشخيصها لطبيعة التحولات الاجتماعية والثقافية والحزبية والسياسية التي يشهدها الكيان الصهيوني وتجمّعاته الاستيطانية، من نزوع نحو التطرف اليميني والعنصرية، وقد تبدّى ذلك في:

1- سنّ القوانين العنصرية التي تستهدف فلسطينيّي المناطق المحتلة عام 1948 وفلسطينيي القدس.

2- تآكل الفوارق بين أحزاب المركز، بين ما يسمى (اليسار) حزب (العمل)، وأحزاب اليمين المتطرف (الليكود)، على صعيد السياسة الداخلية، وفي إشهار التنافس في التنكيل والعداء السافر للشعب الفلسطيني. فلم يعد هناك فروق في موقفها المتعلق بالدولة الفلسطينية المستقلة، والمستوطنات، واستخدام القوة العسكرية وسيلة رادعة، وتحقيق أهداف إسرائيل.

في هذا الصدد يقول جدعون ليفي في مقالة نشرها على موقع (سي. إن. إن): (ليس هناك دلائل على أن لدى هرتسوغ (زعيم التكتل العمالي) نية لإنهاء الاحتلال في أي وقت قريب)، أي رفض (التجمع الصهيوني) لفكرة الانسحاب من الضفة الغربية، ومعارضة ضمنية لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، وهو ما يتوافق مع موقف الليكود،فقد أكد نتنياهو في خطابه أمام منتدى (سابان) في شهر كانون الأول 2014: (إن إسرائيل معنيّة بسلام مع الفلسطينيين يقوم على:

–  الاعتراف المتبادل، ويقصد اعتراف الفلسطينيين بـ(يهودية الدولة).

–  إنهاء المطالب الفلسطينية وبضمن ذلك حق العودة.

–  وجود عسكري طويل الأمد في الضفة الغربية والسيطرة على مناطق استراتيجية من الأغوار الفلسطينية.

– رفض إقامة الدولة الفلسطينية حتى المنزوعة السلاح..

وقد أكد هذا الموقف في حملته الانتخابية قائلاً: (إنه لن يمضي قدماً في محادثات بإقامة الدولة الفلسطينية فيما إذا انتُخب مرة أخرى). ومؤكداً الموقف ذاته لاحقاً قائلاً: (إن الظروف الحالية لإقامة دولة فلسطينية لم تتحقق). إضافة إلى ثوابت الموقف الإسرائيلي المعلنة، وخاصة في ظل حكومة نتنياهو السابقة:

– اعتبار القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية، وهي موضوع غير قابل للتفاوض.

–  رفض إخلاء المستوطنات واعتبارها ورقة تفاوض (على أساس مبدأ تبادل الأراضي).

3- نجاح أحزاب اليمين المتشدد (الحريديم) في دخول الكنيست بقوة: (إسرائيل بيتنا، البيت اليهودي، الاتحاد القومي، يهوديت هاتوراه، وحركة شاس). وقد حصلت هذه الأحزاب على 30.3% من إجمالي أصوات الناخبين، و38 مقعداً بما يعادل 31.61% من مقاعد الكنيست البالغة 120 مقعداً، وإذا ما أضيفت نتائج حزب الليكود بزعامة نتنياهو، فتصبح 67 نائباً لما يسمى (المعسكر القومي) المتطرف، أي 55.8 % من مقاعد الكنيست.. إلا أن عدم مشاركة حزب (إسرائيل بيتنا) اليميني المتطرف بزعامة أفيغدور ليبرمان، في الحكومة الجديدة جعلها تقتصر على 61 نائباً، إذ اشترط للمشاركة في الحكومة إضافة بنود إلى (قانون المواطنة) مثل: عدم دفع مخصصات التأمين الوطني لمن يدانوا بتنفيذ عمليات أو ارتكاب مخالفات تتعلق بأمن إسرائيل.. وفرض الإعدام على منفذي العمليات ضد إسرائيل). أما بخصوص رفض مشاركة (المعسكر الصهيوني) وله 24 مقعداً، فيعود إلى رفض نتنياهو اقتراح تسيبي ليفني بأن يلتزم نتنياهو بحل الدولتين، وتقاسم رئاسة الحكومة بالتناوب. وبالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لم تتشكل على أساس الأصوات الأعلى فقط، بل نتيجة للمفاوضات بين الليكود والأحزاب المتطرفة الصغيرة الأخرى التي قبلت بالمشاركة في الحكومة من خلال فرض شروطها الخاصة ، التي لا تخلو من الابتزاز السياسي والمالي، ومع ذلك فإن نتائج الانتخابات والحكومة قد حددها (الجمهور الإسرائيلي).

فقد وصفت زهافا عالؤون، رئيسة حزب (فيرتس) الائتلاف الحكومي الجديد بـ(الاعتداء الاستراتيجي على الديمقراطية وسلطة القانون في إسرائيل، وأن هذه الحكومة ستقضي على فرص التقدم في عملية السلام). إذ يسعى نتنياهو إلى الحفاظ على استمرار الوضع القائم من تهويد واستيطان وتسويف عبر الانتقال بالمفاوضات من محطة إلى أخرى وبشروط تعجيزية جديدة دون وضع نهاية لها، اتساقاً مع رؤيته القائلة بأن يحل محل التسوية السياسية ما يسميه (السلام الاقتصادي). فقد عملت الحكومة السابقة برئاسة نتنياهو على التنصّل من اتفاقات سابقة مع السلطة مثل (المفاوضات من دون شروط.. إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى قبل اتفاق اوسلو، اتباع سياسة الابتزاز الاقتصادي بحجز أموال الضرائب العائدة للسلطة الفلسطينية.

ثم جاءت باكورة (العروض) السياسية للحكومة الجديدة بما ينسجم مع برنامجها السياسي المشار له أعلاه مضافاً إليه العمل على تغذية عوامل الانقسام الفلسطيني وأسبابه.

بتاريخ 26 أيار 2015 شهدت خشبة المسرح السياسي عرضاً جديداً لنتنياهو، جاء فيه إعلان رغبته في استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين حول حدود الكتل الاستيطانية الموجودة في الضفة الغربية، وقد أكد ذلك في لقاء مع مفوضة الاتحاد الأوربي فيدريكا موغوديني بهدف تحديد المواقع في الضفة الغربية التي يمكن لإسرائيل مواصلة البناء فيها.

ويشكل هذا الموقف والعرض الجديد تجاوزاً، بل ودفناً للمعادلة التي قامت على التسوية السياسية (الأرض مقابل السلام) التي عقد على أساسها مؤتمر مدريد عام1991 المستندة إلى القرار الدولي 242 والموقف الدولي الداعي لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 الذي يعني عدم شرعية المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية. وبالتالي فإن الموقف الإسرائيلي الجديد شكّل قفزة عن أولويات التفاوض على المواقف التكيكية الراهنة إلى المسائل ذات الأبعاد الاستراتيجية النهائية، حسب أجندة التسوية ذاتها، استخدام مفهوم (تبادل الأراضي). هذا العرض هو محاولة ماكرة لتجزئة عناصر الحل النهائي بما يخدم استراتيجية التفاوض الصهيونية من جانب ، ومن جانب آخر التخلص من الموقف الدولي الضاغط للعودة إلى المفاوضات، التي ترفض إسرائيل العودة إليها إلا باستجابة الفلسطينيين لشروطها: (الاعتراف بيهودية الدولة)، وإرباك المفاوض الفلسطيني، فقد أضيف شرط جديد يتلاءم مع أسطورتهم (العداء للسامية) بضرورة وقف الفلسطينيين للجهود الرامية لعزل إسرائيل في المنظمات الدولية.

في ردود الفعل الفلسطينية انتقد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات في تصريح لوكالة فرانس برس بتاريخ 7 أيار 2015 الائتلاف الحكومي قائلاً بأنه (ضد السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وأن هذه الحكومة هي حكومة وحدة من أجل الحرب وضد السلام والاستقرار في منطقتنا) (2)، مشيراً إلى أن تعيين (إيليت شاكيد) من حزب البيت اليهودي وزيرة للعدل هو دليل واضح على أن هذه الحكومة (تهدف إلى القتل والاستيطان). كما دعا المجتمع الدولي إلى التوقف عن دعم إسرائيل.

وحول استئناف المفاوضات في الإطار الذي حدده نتنياهو، صرّح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة لوكالة (وفا) الفلسطينية تعقيباً على ذلك قائلاً: (إن أساس أي مفاوضات يجب أن يكون الاعتراف بحدود ،1967 والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، وأن كل ما يتعلق بالوضع النهائي لا يمكن تجزئته أو تأجيله، إلى جانب ضرورة وقف الاستيطان بشكل كامل، وإطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو حتى يمكن أن يكون لأي حديث مصداقية).

فيما اعتبرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تشكيل هذه الحكومة هو مؤشر واضح على اعتماد إسرائيل نهج التوسع والاستيطان واستمرار الاحتلال، فقد جاء في بيان لها (إن رموز الحكومة الإسرائيلية الجديدة إن لم يكونوا أكثر تطرفاً، هم رموز عنصرية لا يختلفون بأي شيء عن عتاة العنصريين الذين شهدتهم بلدان التفرقة (الأبارتهايد) في جنوب إفريقيا وسواها. وإن من المستحيل أن نرى في عالم اليوم حكومة في أي بلد بهذا التشكيل والتوجه، ولايختلف أعضاؤها فيما بينهم إلا بكونهم متطرفين أو غلاة من أعداء السلام والشعب الفلسطيني.كما طالبت المجتمع الدولي بانتهاج العزل السياسي لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل…).

يستدعي ذلك من القيادة الفلسطينية والقوى السياسية الفلسطينية ضرورة العمل على إعادة إحياء دور منظمة التحرير الفلسطينية ومكانتها، على أسس ديمقراطية لتشمل كل القوى الوطنية وبضمنها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، والتمسك بالحقوق الوطنية والقومية التي تستجيب للمصالح العليا للشعب الفلسطيني، بدءاً من إنهاء مهزلة الانقسام والصراع الداخلي، إلى العمل على وقف المفاوضات العبثية والعمل على تعرية عنصرية إسرائيل وعزلها على الصعد المختلفة.

 

 

 

(1)- تقرير وقائع سيطرة اليمين على إسرائيل، إعداد أنطون شلحت، مركز الزيتونة نقلاً عن موقع (عرب 48).

(2)- الموقع الإلكتروني i24 news ).).

العدد 1105 - 01/5/2024