حلف الأطلسي يدوس على ما تبقى من الشرعية الأممية!

في السنوات الأخيرة أصبحت بلدان أوربية شريكة متواطئة مع مساعي الولايات المتحدة لتحقيق الهيمنة العالمية بواسطة القوة المسلحة، وفي انتهاك فاضح للقانون الدولي، وخصوصاً في انتهاك ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ نورمبورغ (المبادئ القانونية الناظمة لعمل محكمة نورمبورغ التي حاكمت النازيين عقب الحرب العالمية الثانية).

وقد أورد المساعد السابق للسكرتير العام للأمم المتحدة هانس كريستوف فان سبونيك أمثلة محسوسة عن انتهاك حلف الأطلسي لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي على النحو التالي:

1- تضمنت معاهدة إنشاء حلف الأطلسي لدى إقرارها عام 1949 أن ميثاق الأمم المتحدة هو إطار ملزم قانونياً للحلف، غير أن حصر استخدام القوة بالأمم المتحدة وحدها، خاصة كما هو محدد في البند51 من الميثاق، لم يعد مقبولاً في عقيدة حلف الأطلسي منذ عام 1999 حين وسعت الدول الأعضاء النطاق الإقليمي للحلف ليشمل العالم كله، بعد أن كان حتى ذلك الحين محصوراً بالمنطقة الأوربية – الأطلسية.

2- البند رقم 2 من ميثاق الأمم المتحدة يلزم جميع الدول الأعضاء بالامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد سلامة أراض أو الاستقلال السياسي لأي دولة، وهذا الموجب مشروط إلى حد ما بالبند 51 الذي ينص على أنه لا شيء في هذا الميثاق ينتقص من الحق الأساسي الإفرادي أو الجماعي، في الدفاع عن النفس إذا وقع هجوم مسلح على عضو في الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن الإجراءات اللازمة للحفاظ على السلام والأمن الدوليين.

وبناء عليه وبشكل عام فالحرب غير مشروعة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، والدفاع عن النفس ضد اعتداء مسلح أمر مشروع، ولكن فقط لوقت محدد، أي على أن يتاح لمجلس الأمن الوقت اللازم لكي يستطيع التصرف، وميثاق الأمم المتحدة لا يجيز استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في حروب وقائية أو لتغيير أنظمة، أو لما يسمى نشر الديمقراطية، وهذا يعني أنه لا يجوز لحلف الأطلسي أن يستخدم القوة أو يهدد باستخدامها من أجل تحقيق أغراض غير مشروعة.

– في عام 1946 أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع (مبادئ القانون الدولي) المُعتمدة في ميثاق محكمة نورمبورغ، وأنشأت أيضاً (لجنة القانون الدولي) من أجل صياغة مبادئ نورمبورغ، وكانت محصلة ذلك إعداد قائمة شملت مبدأين هامين هما (المبدآن السادس والسابع) على نحو خاص في إطار عدم شرعية حلف الأطلسي. المبدآن المذكوران يحددان الجرائم التالية باعتبارها جرائم يُعاقب عليها بموجب القانون الدولي:

* جرائم ضد السلام، وهي التخطيط أو الاستعداد أو الشروع في شن حرب عدوانية أو حرب تنتهك معاهدات أو اتفاقيات دولية.

* جرائم حرب، وهي انتهاك قوانين وأعراف الحرب بحيث تشمل أيضاً القتل وسوء معاملة المدنيين أو ترحيلهم لغرض استخدامهم عمال سخرة أو لأي غرض آخر.

* جرائم ضد الإنسانية مثل القتل والإبادة والاستعباد والطرد، وأعمال لا إنسانية أخرى ضد سكان مدنيين، والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية.

– في الوقت الراهن تنتهك سياسات حلف الأطلسي بشأن الأسلحة النووية روح معاهدة حظر الانتشار النووي ونصوصها، فهناك ما يقارب الـ200 سلاح نووي أمريكي لاتزال موجودة في دول أوربية، كما أن طائرات السلاح الجوي في الدول التي تنتشر فيها هذه الأسلحة تتدرب بانتظام على إطلاق الأسلحة النووية الأمريكية.. كما أن ما تسمى بـ(المشاركة النووية) تنتهك البندين الأول والثاني من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، اللذين يحظران تسليم أسلحة نووية إلى دولة غير مسلحة نووياً.

والبند السادس من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية يلزم الدول التي تمتلك أسلحة نووية بأن تزيلها خلال فترة زمنية معقولة.. هذا البند انتهكه حلف الأطلسي على أساس مفهومه الاستراتيجي الذي يقضي بالاستمرار في الاعتماد على استخدام أسلحة نووية في المستقبل المنظور.

كذلك انتهكت سياسة حلف الأطلسي مبدأ (عدم المبادأة في استخدام السلاح النووي)، المقر منذ سنين، لأنها أجازت المبادأة باستخدام أسلحة نووية في ظروف معقدة.

سؤال هام:

في الوقت الراهن، هل يتعين حقاً على أوربا أن تنجرّ إلى حرب يمكن أن تكون كارثية ضد روسيا، خاصة أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة لإرغام الدول الأوربية في حلف الأطلسي على المشاركة في عمليات عدوانية، مثل المشاركة في التدخل في أوكرانيا.

فالتدخل الأمريكي في أوكرانيا هو مخاطرة في حرب كارثية مع روسيا، وهو حلقة من سلسلة طويلة من التدخلات الأمريكية عبر العالم منذ عام 1945 حتى الزمن الراهن، وقد ادعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن تلك التدخلات ضرورية من أجل التصدي لما أسمته (الخطر الشيوعي) ولما تسميه الآن (الإرهاب)، إلا أن الدافع الحقيقي لكل هذه التدخلات السابقة والحالية هو سعي الطبقات الحاكمة الأمريكية إلى تنصيب حكومات موالية لها، وفرض قوانين تلائم المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وحلفائها، إضافة إلى أن المجمع العسكري – الصناعي الأمريكية يحتاج إلى مبررات أو مسوغات لميزانياته العسكرية الهائلة التي تستنزف موارد تلزم لمشروعات اجتماعية وبيئية أخرى وضرورية لحياة عامة الناس.

الآن يتساءل الكثير من المثقفين الأوربيين والباحثين: هل شعوب أوربا بحاجة إلى مشاركة الولايات المتحدة في جنون عدوان على روسيا؟ طبعاً الجواب لا! ولكن ماذا عن القادة الأوربيين، هل يرتشون؟ أم أنهم يتعرضون للابتزاز من خلال أسرار شخصية اكتشفتها الذراع الطويلة لجواسيس وكالة الأمن القومي الأمريكي؟

العدد 1105 - 01/5/2024