اليونانيون يرفضون خطط الترويكا الأوربية.. هل تكون الأزمة اليونانية مؤشراً إلى بداية انهيار الاتحاد الأوربي؟

رفض الناخبون اليونانيون بأغلبية أصواتهم إجراءات التقشف الجديدة التي يريدها الأوربيون، مقابل توفير سيولة لأثينا تساعدها على التغلب على أزمتها المالية، وأظهرت النتائج النهائية الرسمية للاستفتاء الذي أجرته اليونان يوم الأحد 5 تموز 2015 فوز رافضي هذه المقترحات بنسبة 61.31%، مقابل 38.69% لمؤيدي مقترحات الدائنين، وبلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء 62.5% من أصل 9 ملايين و855 ألفاً و29 مواطناً يحق لهم المشاركة في التصويت.

وقد أدى الاستفتاء إلى استنفار قادة الاتحاد الأوربي، فقد دعا رئيس المجلس الأوربي دونالد توسك، زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي، لعقد قمة طارئة لمناقشة وضع اليونان، كما أشارت المفوضية الأوربية، في موقعها الرسمي، إلى أن رئيس المفوضية جون كلود يونكر، سيعقد مؤتمرًا عبر الهاتف، مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، ورئيس مجموعة اليورو، يروين ديسلبلوم، ورئيس البنك المركزي الأوربي ماريو دراجي. ومن جهة أخرى دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند زعماء منطقة اليورو للاجتماع، يوم الثلاثاء، لتقييم نتائج استفتاء اليونان الذي أظهر رفض غالبية اليونانيين شروط الدائنين الأوربيين، مع الإشارة إلى أن ألمانيا تعد أكبر دائن لليونان وتليها فرنسا، فلهما نحو 80%من الديون اليونانية التي تبلغ 323 مليار يورو (358 مليار دولار).

وأكد الناخبون بقرارهم عدم قدرة اليونان على تحمل مزيد من إجراءات التقشف التي وصلت بسببها نسبة البطالة إلى 54.9% عام 2012 وهي نسبة قياسية، ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن تظلّ البطالة بحدود 27% حتى نهاية 2015.

كما أدى التقشف الذي فرضته الترويكا الأوربية (صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوربي واللجنة الأوربية»، أدى إلى انهيار كامل في الخدمات الاجتماعية وتراجع التعليم والصحة وتقهقر الطبقة المتوسطة وهروب آلاف المعامل الصغيرة إلى بلدان أخرى، إضافة إلى التهرب الضريبي الكبير للشركات اليونانية الكبرى الذي حدث بالتوافق والتلاعب مع الاتحاد الأوربي الذي أمسى يتحكم باليونان بدءاً من 2010 مع بداية الأزمة الاقتصادية الكبرى، وفي 2011 اعتمدت سياسات (المنيمونيو)، أو (اتفاقية الإنقاذ الثانية) التي تضمنت أربعة شروط: الفوائد المرتفعة، تنازل اليونان عن حق الحصانة، تنازل أثينا عن التعويضات المستحقة على ألمانيا بسبب احتلالها لليونان في الحرب العالمية الثانية، تطبيق القانون الإنكليزي الذي يعتبر الأجدر في موضوع حماية الدائنين.

ولكن نتائج تلك السياسات إن دلت على شيء فهو فشل علاج (الترويكا الأوربية) في حل المشكلة، فعلى الرغم من نجاح اليونان في خفض ديونها فإن اقتصادها لم ينمُ بل على العكس زاد ضعفاً وانكماشاً.

وبالعودة إلى الاستفتاء الأخير فالرفض اليوناني يمثل قاعدة تدعم موقف الحكومة اليونانية اليسارية بشكل أفضل في أي مفاوضات مقبلة، كما أنه يشكل وسيلة ضغط جديدة على الدائنين الدوليين لمنح أثينا اتفاقاً قابلاً للتطبيق لا يتسبب في عبء أكبر على الاقتصاد اليوناني، لكن يبقى أن المانحين قد يرفضون شروط تسيبراس، وبالتالي قد يضعونه في مأزق كبير. وسيكون من أهم سيناريوهات الرفض وقف البنك المركزي الأوربي لأي تدفق للأموال إلى البنوك اليونانية، مما سيضعها في مشكلة خطيرة تقربها من حافة الإفلاس، وسيضع ودائع المواطنين تحت التهديد.

ثم تأتي نتيجة خطيرة متعلقة بالعملة الأوربية الموحدة، فكما يقول كثيرون فإن بقاء البلاد ضمن منطقة اليورو سيكون محل شك في حال رفض هذه الحزمة، وقد تضطر أثينا لاستعادة الـ(دراخما) من جديد.

ومن الجانب الأوربي: تعني الإجابة بـ(لا) وفق مراقبين، ضربة كبيرة وهزة للاتحاد وعملته الموحدة، ما قد يمهد لخروج اليونان من منطقة اليورو، وهو أمر إن حصل سيعدّ سابقة تثير قلق حكومات أوربية أخرى تئن تحت وطأة الديون، كإسبانيا وإيطاليا والبرتغال، كما أنه قد يزعزع استقرار الاقتصاد العالمي والأسواق المالية.

ولكن التخوف الأوربي والأمريكي الأكبر بأن تفتح الأزمة الاقتصادية الحالية في اليونان باب التعاون مع (خصوم) الاتحاد الأوربي، وتحديداً روسيا والصين، فقد ترى اليونان مصلحتها في الشرق وتتنازل شيئاً فشيئاً عن الحاضنة الاقتصادية الأوربية، خصوصاً أنّ الجميع على يقين بأنّ مستقبل الاقتصاد هو مع آسيا، وهو ما تدركه الولايات المتحدة جيداً من خلال سياستها (التوجه شرقاً).

وفي كلمة متلفزة عقب إعلان النتائج الأولية للاستفتاء أعلن رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس أن الاستفتاء الذي رفض الناخبون اليونانيون فيه بأغلبية أصواتهم شروط مقرضي أثينا، أظهر أنه (لا يجوز ابتزاز الديمقراطية)، مضيفاً: (لا غالب ولا مغلوب في الاستفتاء، بل الشعب اليوناني تجاوز الخوف). وأضاف أن الشعب لم يعط الحكومة صلاحيات لانفصال البلاد عن باقي أوربا، وإنما لتعزيز الروابط التي تجمعهما. وأكد أن الحكومة اليونانية ستعود إلى طاولة المفاوضات مع المؤسسات الدائنة الاثنين 6 تموز، داعياً إياها إلى إعادة جدولة ديون بلاده.

وتضمنت المقترحات الأوربية، التي لم تُقبل، خطة إنقاذ جديدة، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية طارئة لسداد ديونها، على أن تتبنى أثينا في المقابل إجراءات تقشفية صارمة وجديدة كتخفيض مستوى المعاشات، وزيادة ضريبة القيمة المضافة على الكهرباء ومطالب أخرى يبدو صعباً على اليونان تلبيتها حالياً بسبب وضعها الاقتصادي شبه المفلس. ويبقى في الختام سؤال برسم الأيام القادمة: هل تكون الأزمة اليونانية مؤشراً إلى بداية انهيار الاتحاد الأوربي في لحظة هو أحوج ما يكون فيها إلى التضامن؟!

العدد 1105 - 01/5/2024