صافيتا… صرخات تحتاج إلى من يسمع.. فهل من مُجيب؟!

من النظريات البديهية أن تسير عجلة التقدّم والتطوير إلى الأمام، لكن المراقب لما كانت عليه صافيتا في الخمسينيات والستينيات، وما آلت إليه هذه الأيام يقف حائراً أمام صحّة تلك النظريات. من يعرف السبب يضع اللوم على من توالى على مركز القرار في طرطوس أولاً، وعلى المجلس البلدي لمنطقة صافيتا ثانياً.

في منزل السيد الياس جمال، التقت (النور) مع عدد من فعاليات صافيتا والإخوة المواطنين ممّن وجدوا في (النور) منبراً طالما افتقدوه، ليبوحوا بما يثقلهم من هموم ومنغصات.

تحدث السيد الياس عمّا كان عليه الحال في الستينيات، فأكد انه في تلك الفترة كان مدير المنطقة هو رئيس البلدية، وكانت صافيتا شعلة من النشاطات والفعاليات، فكانت تضم العديد من الفرق الرياضية التي حصلت على مراكز مشرّفة (13 كأساً على المستوى المحلي)، وكانت تضم العديد من دور السينما، وكانت هناك المنشية التي نكتفي هذه الأيام بالنظر إليها من الخارج، إضافة إلى شبكة طرق متميزة وجدران استنادية مازالت حتى الآن بحالة ممتازة، في حين انهار عدد من الجدران كذاك الذي أقيم على الكورنيش الجنوبي ولم يصمد أكثر من سنوات قليلة جداً علماً انه كلّف نحو 55 مليون ليرة سورية. في هذه الأيام النادي مغلق، ودور السينما أقفلت أبوابها، وساءت حال الطرق بشكل بشع جداً، فمن هو المسؤول عن هذا التردي وهذا التراجع في كل المجالات؟! نتمنى أن نمتلك المعطيات الكفيلة بعودة أبناء صافيتا من المغترب، ولكن طالما أن من هو على رأس القرار الخدمي في صافيتا لا يملك الشعور والحس بالمسؤولية، فهذه الأمنية ستبقى بعيدة المنال، فهل يعقل أن يكون جواب رئيس بلدية صافيتا د. (ج. ا) لي عندما أخبرته بخطورة الجور والحفر في المدينة بأنه يقوم بتربية هذه الجور والحفر حتى تكبر؟! وفي زيارة أخرى لنفس الشكوى طلب مني القيام بإجراء براءة ذمّة!.طلبت منه أن يستقيل فكان جوابه أنهم لا يوافقون على استقالته، فهل يعقل أن يبقى هكذا شخص على رأس عمله وهو لا يرغب بالاستمرار ولا يريد البقاء والنهوض بالواقع الخدمي لصافيتا؟!

ربط في غير محلّه

إذا كانت البلديات عاجزة عن القيام بدور رائد وفعال محصور بين أطراف المدينة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها بعيداً عن القرى التابعة لها، فكيف سيكون واقع الحال الخدمي بعد أن ألحقوا بها العديد من القرى التي تضرّرت خدمياً بسبب هذا القرار الخاطئ؟ طبعاً هذا أضر بالقرى وبالمدينة على حد سواء.

السيد جمال قحط تحدث بكثير من الأسى عن الواقع المتردي في صافيتا، وتساءل عن عدد من القضايا العالقة التي لا تحتاج إلاّ لمن يملك الهمة والعزيمة على العطاء: البلدية ومن خلال موازناتها عاجزة عن القيام بالمشاريع ضمن صافيتا، فكيف ستقوم بهذه المشاريع في القرى التي ألحقوها بالبلدية خاصة بعد أن أصبح هناك تمويل ذاتي للوحدات الإدارية؟ وهنا باتت الموازنة المستقلة هي الملجأ الوحيد وسأضرب مثلا على ذلك: هناك دراسة منذ سنتين بخصوص الكورنيش الجنوبي، وكانت التكلفة بحدود 10 ملايين ليرة إضافة إلى مليوني ليرة للمصارف المطريّة، وكانت الدراسة كاملة وجاهزة، لكن لم تتوفر هذه الأموال من الموازنة المستقلة بسبب خطأ في تفسير الكتب، حيث جاء في كتاب رئاسة مجلس الوزراء بعدم قيام مشاريع جديدة، وبعدها سمحو فالعشرة ملايين أصبحت في ظل الغلاء 22 مليون ليرة. اخذوا موافقة من الموازنة المستقلة مرتبطة بموافقة وزارة الإدارة المحلية، لكن منذ شهرين وحتى هذه اللحظة لم تتكرم وزارة الإدارة المحلية بالموافقة، وهذا يعني تأجيل المشروع للعلم القادم، وهنا علينا أن نتخيل المبلغ الذي سيكلفه المشروع في العام القادم! وبالنسبة لقرار ربط هذه القرى بالبلدية فهو من أكثر القرارات التي قيّدت عمل البلدية وتسببت بالإهمال في المدينة والقرى التابعة لها، فإذا كانت البلدية عاجزة عن ترحيل القمامة لمنطقة صافيتا مثلاً كمدينة فكيف ستقوم بترحيل القمامة للقرى التابعة لها؟ وهذا أبسط مثال. لماذا لم يفكروا بإنشاء بلديات لتجمعات القرى بما يضمن إمكانية التخديم بشكل جدّي؟!. البلدية التي لم تقدم للريف الذي ألحق بها أية خدمات، وكل ما تقوم به هو جباية الأموال من سكان هذا الريف فكيف يحق لها ذلك؟!

معضلة سوق الهال القديم

في العام 1969 تم تنفيذ سوق الهال في القسم الجنوبي من صافيتا قريباً من دوار السيد الرئيس حالياً، لكن منذ سنوات تم نقل هذا السوق إلى الجهة الشمالية من صافيتا، وهذا بحد ذاته مشكلة حقيقية لما يسببه من إرباكات وازدحام، لأن قسماً كبيرا مما تستهلكه صافيتا من خضار وفواكه يأتيها من الجهة الجنوبية، أي من جهة سهل عكار وخط الجديد، وهذا يعني أن السيارات المحملة الداخلة إلى سوق الهال الجديد عليها أن تخترق صافيتا من جنوبها إلى شمالها كي تفرغ حمولتها. بالعودة إلى سوق الهال القديم فهناك صفة لهذا السوق هي (النفع العام لبيع الخضار والفواكه) ومنذ أن انتهى العمل بهذا السوق منذ عشر سنوات تقريبا وحتى الآن تقف البلدية عاجزة عن استثمار أي محل من محلاته. وبسبب انهيار إحدى البنايات قامت البلدية بالسماح للسكان المتضررين بالسكن في محلات السوق، والسبب في عدم قدرة البلدية على الاستثمار والتأجير هو وجود صفة النفع العام، ومنذ أكثر من سنتين ونحن كمجلس بلدية صافيتا نخاطب الوزارة لكن الوزارة لم تستجب دون أن نعلم السبب في ذلك التعنت علماً انه ملك البلدية! كانت هناك دراسات لتحويله إلى أشياء أخرى (مول مثلاً أو كراجات للمنطقة الجنوبية) ولكن بسبب صفة النفع العام لم نتمكن من استثماره، وبحساب بسيط نجد انه في كل عام تخسر البلدية أكثر من مليوني ليرة بسبب هذه الصفة (النفع العام)!

بين المخطط التوجيهي والتنظيمي

من المعروف أن الحركة العمرانية في ازدياد بسبب زيادة عدد السكان وإقبال الناس على الاستثمار في العقارات، لكن في صافيتا والقرى التابعة لها لا زال الخلاف محتدماً بين التنفيذ وفق المخطط التنظيمي والتوجيهي، ففي القرى التي لا يوجد فيها مخطط تنظيمي يتم العمل وفق المخطط التوجيهي، وفي هذا يؤكد عضو مجلس مدينة صافيتا السيد جمال القحط أنه اعترض منذ اليوم الأول لوجوده في المجلس على طريقة التعامل، ومازلت اعترض في كل جلسة، حيث طالبت منذ سنتين بتطوير المخطط التوجيهي ليشمل المدينة بالكامل، ففي كل اجتماع هناك عدد كبير من الطلبات بخصوص إقامة بيوت سكنية تحتاج لدراسة وموافقة، وهنا تقع المشكلة، فالمخطط التنظيمي لم يصل إليهم، والعمل وفق المخطط التوجيهي كارثة، لأنه في حال تم تنظيم تلك القرى فهناك بيوت قد تتم إزالتها. في البلدية لا توجد مبادرة للتطوير والتحديث وتنفيذ القرارات، فمثلاً أخذنا قرار بإزالة الأكشاك المخالفة كلها وعددها (49) لكن لم يتم تنفيذه، مع الإشارة إلى انه اتخذ قرار بأخذ رسوم من أصحاب هذه الأكشاك لكن لم يتم تنفيذه أيضاً، وأعتقد أن هناك جهات عدّة تضغط لعدم التنفيذ!

السيد الياس أوضح انه منذ التسعينيات تم إعطاء بعض الرخص لبعض المعاقين بسبب العمليات الحربية في لبنان أو غيرها، ولكن الذي حدث أن هؤلاء قاموا ببيع هذه الأكشاك بملايين الليرات وتم توقيع عقود برّانية بينهم وبين المشتري في حين بقيت ملكية هذه الأكشاك في البلدية بأسمائهم.

هناك كم هائل من القرارات لم تنفذ بسبب مزاجية بعض الموظفين وتعنتهم، فمثلاً هناك قرار لشراء حاويات بلاستيكية لكن لم يتم تنفيذه بسبب المماطلة وعدم المحاسبة والتسويف في الدائرة المختصة وترحيل القرار، وبطبيعة الحال زادت الأسعار أضعافاً مضاعفة. أيضا تم تشكيل لجنة تدقيق في البلدية من اجل دراسة هذه القرارات، لكن هناك إحدى الموظفات ترفض إعطاء اللجنة الوثائق بحجة عدم وجود صلاحيات لمجلس البلدية بالتدقيق في تلك القرارات.

نظام ضابطة البناء

لا يوجد في صافيتا نظام ضابطة بناء، أو كان هناك نظام ضابطة وكأنهم أتوا به من تدمر أو من أي منطقة منبسطة.صافيتا لها خصوصية كغيرها من المدن ذات الطبيعة الجبلية. رئيس مجلس المدينة قام بجمع المكاتب الهندسية مع البلدية، وأنشأوا نظام ضابطة ربما يختصر كافة الإشكالات القائمة على الأرض لحلّها، لكن هذا النظام تم إرساله للجنة الإقليمية علماً أنه وحسب نظام الإدارة المحلية فإن توقيع نظام ضابطة البناء ليس من اختصاص اللجنة الإقليمية، وإنما من اختصاص مجلس مدينة صافيتا. ومن أصل 73 نقطة وافقوا على ثلاثة وقلبوا البقية بالعكس، والمضحك أن رئيس البلدية اعترض على ذلك، وكان هذا يقتضي عدم توقيع وتصديق نظام الضابطة، لكن تم تصديقه وتوقيعه، ووافقت المحافظة عليه، واعترف الأستاذ (ع. ا) في القانونية أنه أخطأ لكن تم إرساله إلينا للعمل بموجبه. والمفارقة أن رئيس مجلس المدينة الذي اعترض عليه طالبنا بالعمل وفقه. طبعاً مجلس المدينة اخذ قراراً بوقف العمل به، لكن رئيسة الدائرة الفنية (ر. ي) لا تطبّق قرار مجلس المدينة! الرخص التي كانت قد حصلت على موافقات ودفعت الرسوم أخذنا قراراً خلال الأسبوع الماضي بمتابعة عملها.

المسلخ

المسلخ الجديد كما يوضّح السيد جمال قحط كان منذ أيام الدورة الماضية، وقد كان الشرط أن يتم تنفيذه على مراحل، لكن الشخص الذي تعهّده لم يكمله لأسباب أجهلها. حاولنا خلال العامين السابقين رصد الاعتماد المالي لإكماله ورصدنا قبيل أيام مبلغاً آخر للسبب نفسه يمكن أن تقام فوق المسلخ بناء ومحلات تكون مصدر دخل للبلدية.

تتمّة الكورنيش الجنوبي

عندما زرنا صافيتا خلال الأسابيع الماضية بعد يوم ماطر كانت الشوارع تغرق في بحيرات من المياه بسبب انسداد مصارف المياه وعدم تعزيلها، إضافة إلى حدوث عدة انهيارات في أكثر من مكان قدّرت تكلفتها بعشرات الملايين، فمن يتحمل ذلك؟!. والحفر المخصصة لتصريف مياه الأمطار (الريكارات) تنخفض لأكثر من 30 سم عن مستوى الطريق، إضافة إلى الحالة المزرية والسيئة جداً للطرق الفرعية وحتى بعض الطرق الأساسية كما هو واقع الحال في الكورنيش الجنوبي الذي لم يكتمل العمل فيه، إذ كان من المفترض أن يتصل بمدخل صافيتا من جهة الجنوب وهذا ما يوفر على المدينة الكثير من الازدحام.

هذا المشروع بمثابة متاهة حقيقية، فعندما قُدمت العروض كان هناك كسر في عروض الأسعار بنسبة 40%، وكان من الطبيعي أن هذا سيكون على حساب التنفيذ. اكتشف المتعهد خسارته المؤكدة، فبات يتصنع العراقيل والإشكالات. في البلدية تواطؤ ما مع المتعهد وهذا ما أدى إلى أن يقوم المتعهد برفض التنفيذ، والآن هناك دعوى بين المتعهد والبلدية، وقد حاولنا تسوية الخلاف لكن دون جدوى. هناك جزء من الإشكال يتعلق بموافقة البلدية على صرف نحو 15 مليون للمتعهد قبل البدء، ولكنهم لم يتمكنوا من تنفيذ ذلك لأن التمويل من المحافظة، في حين العقد مبرم مع البلدية، طبعاً المشروع منذ العام 1995علماً أن المسافة لا تتعدى 800 متر!.

عقلية قاصرة

المهندس كرم تحدث عن المشكلة في صافيتا من خلال العقلية المسيطرة على صافيتا بشكل خاص.. هذه العقلية ليست قادرة على التطوير. صافيتا لها صبغة سياسية معينة. الانتخابات التي حدثت في الثمانينيات تم خرق لقائمة الجبهة فيها، ومنذ ذلك الحين لم يقم أي مشروع في صافيتا. بلدية صافيتا أصبحت ذات اتجاه واحد لا تقبل إلا شخصاً واحداً يمثل لوناً سياسياً معيناً وانتماء معيناً. صافيتا فيها الكثير من المهندسين والأطباء. رئيس البلدية يجب أن يكون بحسب قدرته على العطاء وليس من الضروري أن ينتمي إلى لون معين.. هناك الكثير ممن هاجروا.

صافيتا يجب أن يكون لها أكثر من مرآب للسيارات. المرآب الجديد زاد من الازدحام فما هو السبب في حصر كل الآليات في المرآب الضيّق وغير الملائم للحركة؟ واسمح لي أن اسأل عن أصحاب الأراضي هناك..أي آلية قادمة إلى سوق الخضار أو الكراج أو مؤسسة الاسمنت يجب أن تخرق صافيتا من غربها إلى شرقها.. تخيل أن موقع المؤسسة الاستهلاكية يجبر السيارات على التوقف لساعة أحيانا حتى يتم إفراغ سيارة المؤسسة المحملة بالتموين، فهل يمكن أن يسير السائق بجهة معاكسة لمسافة 200 متر تقريباً.. موقع الكراج والبازار الجديد ومؤسسة الأسمنت من أكبر الكبائر أن تبقى على حالها.. برأيي يجب إعادة النظر بالمخطط التنظيمي. نحن بحاجة إلى حديقة عامة والى أرصفة وشوارع خالية من الجور والبحيرات المائية.. نحتاج إلى هواء نظيف.. نحتاج إلى شخص خلاّق ومبدع فأنا استغرب وجود مدينة لا تملك حلما!

أخيراً: أعتقد أن ما تحتاجه صافيتا يحتاج إلى أكثر من ريبورتاج، فهناك الكثير الكثير مما لم نذكره في هذا المقال حرصاً على عدم الإطالة، ولكن نعد القارئ الكريم بمتابعة الوضع الخدمي في صافيتا واللقاء مع رئيس بلديتها د (ج. ا) الذي احتجنا إلى الاستعانة بصديق حتى تمكنا من التواصل معه عبر الهاتف، والذي لم يكلّف خاطره بالحضور إلى مجلس البلدية، علماً أن الساعة كانت نحو الثالثة مع الإشارة إلى أن سيارته حكومية ولا يبعد عن صافيتا إلا مسير ربع ساعة بالحد الأقصى.. فانتظرونا!

العدد 1107 - 22/5/2024