العنف الإخباري والترفيهي وأثره على المتلقي..!

 لا يمكن لأحد أن ينكر أن هناك مشكلة تتمحور حول مدى تأثير التعرض للعنف الإخباري على المشاهد، وخاصة في ظل انتشار القنوات الفضائية بشكل مطرد وعشوائي مع نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، حسبما أشارت إليه بعض المراجع والدراسات الاستطلاعية التي أُجريت حول هذا الموضوع في أكثر من مكان.

ولا يقف الأمر عند المشاهِد العربي بل يتعداه إلى معظم سكان الكرة الأرضية، ولكننا سنتطرّق إلى المشاهِد العربي لأنه الأكثر تعرّضاً لهذا النوع من العنف بشكل مباشر، ففي الغالب تنقل الفضائيات العربية صور هذا العنف (من المحيط إلى الخليج) باعتبارنا (ولله الحمد) حقل تجارب للجميع وهذه الصور ذات صلة بالقضايا العربية. وبما أن معظم ما يعرفه المواطن العربي يصل أغلبه إليه عن طريق وسائل الإعلام، ففي استطاعة الإعلام أن يوصل المعرفة والمثل العليا والقيم الخاصة بتشكيل الإرادة إلى هذا المواطن بدلاً من الصور التي تعتمد العنف وسيلة تبرّر غايتها وأهدافها. وفيما يتعلق بهذه المعرفة فإن المشكلة هنا ليست المدخل إلى المعرفة وإنما تصنيف وتفسير الكم الهائل من المعلومات والصور الموجودة التي يتم عرضها وتحويلها إلى منظومة من الأفكار الواقعية ذات معنى سواء أكانت هذه الصور صحيحة أم لا.

وبقليل من التبصّر نجد أن الدول العربية كغيرها من دول العالم الأخرى حرصت على إنشاء محطات تلفزيونية مرئية نظراً لما تمثله هذه المحطات من أهمية كبيرة على صعيد إثبات السيادة والشخصية الوطنية للدولة، وإيمانا منها بالدور الهام الذي تقوم به من خلال التأثير الكبير على الأفراد، فقد اهتمت بمواكبة التطور التقني الهائل في وسائل الاتصال، وسارعت إلى استئجار قنوات في الأقمار الاصطناعية التي تستخدم نظام البث المباشر لتبث عليها برامجها المرئية علماً أن العديد من الدول التي لا تملك أقماراً اصطناعية تخضع لمزاجية الدول التي تملك تلك الأقمار وما حدث مؤخراً في سورية خير دليل على ذلك!!

والفضائيات العربية تعتبر المصدر الرئيس للأخبار لدى المشاهد العربي، فقد أظهرت إحصائية في هذا الجانب أن نسبة 73% من المشاهدين العرب يعتمدون على الفضائيات كمصدر أساسي للأخبار، وهذه النسبة كبيرة إذا ما قُورنت بمصادر الأخبار الأخرى كالصحف والمجلات(لأن القليل منهم يقرأ باعتبار أن القراءة تتعبهم!!).

وبما أن الصورة هي من بين أهم مكونات أغلب الرسائل الإعلامية الأساسية المرسلة عبر الفضائيات- باستثناء المسموعة- التي تعطي مصداقية للخبر وتجعله أكثر جاذبية وإثارة بما تحويه من بيانات وإحصائيات تفسّر وتشرح موضوع الرسالة. فإننا نجد هذه الفضائيات العربية تنقل صور العنف ومعاناة الشعوب في كل الأصقاع ومنها معاناة الشعب العربي في العديد من الأقطار العربية كفلسطين والعراق والسودان واليمن وغيرها ولا يمكن لنا أن ننسى صورة الجندي الأمريكي وهو يطلق النار على جريح عراقي في أحد مساجد العراق أو ما تناقلته القنوات الفضائية على الهواء مباشرة فيما يتعلق بحجم العنف والدمار لعدد من الحروب، والتي جعلت لنشرة الأخبار أهميتها الخاصة واستطاعت اجتذاب أعداد جديدة من المشاهدين غير المهتمين بالسياسة.

فعلى سبيل المثال تابع عدد كبير من الناس عبر نشرات الأخبار ما فعلته القوات الأمريكية في أفغانستان من عنف ودمار ومشاهد القتل والإجرام أثناء احتلال العراق وصور المعتقلين في سجن أبو غريب واغتيال العديد من كوادر المقاومة الوطنية في لبنان وفلسطين وكذلك عشرات الأحداث التي وقعت خلال العام الماضي والعام الجاري من أعمال الإرهابيين في سورية، إضافة إلى أحداث العنف الأخرى مثل الكوارث الطبيعية وثورات البراكين والهزات الأرضية والفيضانات مثلاً، الأمر الذي حول نشرات الأخبار في رأى بعض المختصين إلى برنامج منوعات مليء بالإثارة، ففي هذه اللحظة خرجت نشرة الأخبار من كونها برنامجاً يهتم به أناس قليلون لديهم اهتمامات بالسياسة!

إن تكرار عرض صور العنف عبر العديد من القنوات الفضائية العربية قد يُولد لدى المشاهد العربي شعوراً باللامبالاة تجاه قضاياه العربية لتعوّد عقل (عين) المشاهد العربي على مشاهدة صور العنف، وقد لا تحرك بداخله مشاعر الغضب تجاه ما يحدث من ظلم وقهر لأبناء أمته ولا تدفعه إلى التآزر والتعاضد مع إخوته العرب، ولا تحفز وتقوي الشعور والانتماء القومي وتدفع لِلمِّ الشمل وتوحيد الجهود والتآخي، أو تحدث النقطتان السابقتان بنسب متفاوتة في آن واحد لدى فئتين من المتلقين، وقد (لا تؤدي إلى أي تأثير كما يبدو من خلال الأحداث الأخيرة في سورية).

إنّ موضوع العنف الإخباري (من خلال نشرات الأخبار) أو الترفيهي (من خلال بعض المناظر والصور التي يتم عرضها في المسلسلات والأفلام) تطرح العديد من التساؤلات حول الآثار الاجتماعية والنفسية والسياسية لتعاظم جرعة هذا العنف في البرامج المرئية بما في ذلك نشرات الأخبار. وانطلاقاً من هذا ألا يجب أن يأخذ موضوع العنف الإخباري الاهتمام الكبير من قبل العديد من الخبراء والصحفيين والمسؤولين الإعلاميين والأخصائيين بشكل جدّي ومسؤول؟!

العدد 1107 - 22/5/2024