قرارات من ورق وحبر

 ست سنوات من النزاع في سورية، ولا ندري ما هو اللقب الحقيقي والسبب المباشر لهذا النزاع، هل هو لقمع الإرهاب والفتنة، أم للقمة العيش، أم هو لخنق المواطن السوري أكثر فأكثر، أو لظهور طبقة من المجتمع على حساب طبقة أخرى. ست سنوات ولم نعد نرى على أرض الواقع الطبقة الوسطى ميسورة الحال، فقد أصبح المجتمع السوري ينقسم إلى طبقتين فقط: واحدة تحت خط الفقر أو ملامسة لخط الفقر، وأخرى نهضت على أنقاض الأولى، مُستغلة الأزمة، مُحمّلة بغنائم الحرب ومكاسبها.

ولعل الأزمة السورية حملت أسماء كثيرة، لكن أنسبها كان أنها أزمة أخلاق، سببها المباشر الوضع الاقتصادي الذي جاء نتيجة التضخم السكاني وما نجم عنه من تضخم اقتصادي، وطبعاً لا بدّ أن يحظى المواطن بالحصة الأكبر من نتائج هذه الأزمة، وخاصة، من هم من أصحاب الدخل المحدود، المتخبطين بين أمواج متطلبات الحياة، ابتداء بالطعام، وليس انتهاء بالسكن وارتفاع الأجور، إلى متطلبات الأسرة والأولاد والمدارس. وهنا طبعاً الحكومة الكريمة مازالت ترى الواقع في الوضع الأفضل، ودائماً يسير البلد بنظرها نحو التقدم، وكأننا في عصر النهضة ولا نعلم ؟؟؟!!!

ست سنوات حملت معها آلاماً وأوجاعاً لشعب عانى ومازال يعاني الأمرّين، من فقر حال، إلى دمار أسرة كاملة تشتتت وضاعت في زحمة الأخلاق، منها من فقد ولداً، ومنها من خرج بثيابه للمجهول، ومنها من ووري الثرى، ومنها من قَـَتَلَ وسَرقَ ونَهب، وسُجن وخُطف واعُتقل، وطبعاً وراء كل هذا أكبر أعدائنا.. الفقر، وهل من علّة أشدُّ من علّة الفقر، وما يُخلفه من واقع اجتماعي سيئ، يزداد مع كل بزوغ فجر سوءاً، لما يحمله فجرنا من قرارات حكومية تشدُّ الوثاق على أعناقنا لننفذ واجبنا بصمت، وكأن تلك الحكومة مُغيّبة عن واجبها حيالنا، ابتداءً بوقود التدفئة، والغاز أقلُّ ما يمكن للمنازل وبسعر مقبول، ومن ثم معضلة سورية الكبرى: الكهرباء، التي باتت حلماً عصيّ المنال، علماً بأنها عصب الحياة سواء في الصناعة والعمل، أو العلم والتعليم، أو لمختلف أوجه الحياة وأبسط أنشطتها.

وزيادة على كل هذا يتريع الغلاء بأسعار السلع الاستهلاكية الضرورية، والذي بات مُحلّقاً مع ارتفاع سعر القطع الأجنبي، وكأن المواطن السوري يتقاضى الراتب الشهري بالدولار؟؟ فمتى يا سيادة رئيس الحكومة، ويا أيتها الحكومة الكريمة، سترفعون العصبة المزركشة عن أعينكم، لتروا أن الدنيا باتت مُتشحة باللون الأسود الداكن، لتدني الوضع على كل الأصعدة، وخاصة حياتنا المعيشية المتردية يوماً بعد آخر وما خلفه ذلك كله من انحلال أخلاقي واجتماعي، فقد كثرت حالات القتل والسرقة والتعاطي وتجارة المخدرات، وكذلك الاغتصاب، وخاصة بين جيل الشباب، وبين الأسر من ذوي الدخل المحدود، أو الذين لا دخل ثابتاً لهم. فأين أنتم يا أصحاب القرار وصُنّاع الرأي من وجع الشعب السوري.!!؟

فحذار من سبب يجمع الشعب بصرخة واحدة:(نحن جياع) فلا شيء يقف أمام الجوع الكافر، والأفواه المفتوحة للريح، ولا أمام وجع الجوع، وصوت بكاء الرضيع على صدر أمه الخاوي، وموت طفل أعياه المرض، وصلّب شرايينه البرد القارص، ودمعة عجوز سبعيني من ألم التعب الساكن في جسده العطش للماء، فهل يا ترى أمام كل هذا ستبقى العصبة المزركشة على عيون الحكومة الكريمة!!!

لم يعد الوقت طويلاً أمامكم، فالشعب بات يدرك طعم الحياة، وأنتم عن درك أسباب الحياة تحيّدونه، علماً بأن حكومتكم الكريمة أقرّت وركّزت في بيانها الوزاري على ست أولويات ومحاور قطّاعية، كان أبرزها تنشيط الدورة الاقتصادية، وتحسين مستوى المعيشة، باعتبار أن المواطن هو الأساس، وذلك من خلال تأمين الصحة والتربية والتعليم العالي والثقافة والأوقاف. وأكد البيان أهمية مكافحة الفساد، والاستجابة للاحتياجات الإنسانية، وإعادة الإعمار، وضرورة تلبية حاجات المواطن، ضمن الإمكانات المتاحة، ومن جهة أخرى ستعمل على توفير الأمن والأمان للمواطنين، وستستمر الحكومة في المرحلة القادمة بالتركيز على أعمال الإغاثة والإيواء، والنهوض بالواقع الاجتماعي والاقتصادي، والاهتمام بتوفير فرص العمل بكل الوسائل إلى جانب التوظيف، وكذلك دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والمتناهية الصغر، لزيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة، وتوفير رأس المال البشري والمادي، والمواد الأولية والآلات والمعدات اللازمة.

وأكّد البيان الوزاري أيضاً تنفيذ السياسات الحكومية التي ستأخذ في الحسبان الأولويات المذكورة آنفاً في المجالات القطّاعية المختلفة على النحو الآتي:

أولاً- السياسات الاجتماعية وسياسات التنمية البشرية والإدارية في مجالات التربية والتعليم والثقافة والإعلام والأوقاف والصحة والشؤون الاجتماعية والعمل.

ثانياً- السياسات الاقتصادية في القطاع الحقيقي والقطاع المالي والنقدي في مجال التجارة الخارجية والداخلية.

ثالثاً- سياسات الطاقة وتطوير البنى التحتية وتقديم الخدمات وفي مجال الإدارة المحلية والكهرباء والطاقة والنفط والغاز والثروة المعدنية والموارد المائية والإسكان والنقل والاتصالات ونظم المعلومات.

رابعاً- سياسة التنمية الإدارية: في مجال الإصلاح الإداري والنظام القضائي وتحسين رواتب العسكريين، وإيلاء مشكلة البطالة اهتماماً أكبر.

فأين أنتم من كل ما ورد؟ ولعل الواقع خير من يخبر عمّا يعانيه المواطن وأنتم مازلتم فقط تصدرون قراراتكم على الورق ؟؟؟؟……!!!

العدد 1105 - 01/5/2024