«الرحلة»… تحيـة لأبناء الشـمس

 أطفال سورية يصدرون إعلاناً رسمياً مفعماً بالفرح وممزوجاً بالحب وبابتسامة مؤمنة وضحكات تملأ تفاصيل الدنيا بأنهم سيبدؤون رحلتهم منذ الآن، لم ولن يتوقفوا، هكذا قالت أفكارهم وحركات أجسادهم اتحدت مع بعضها بالمكان، كانت طاقتهم تفوق مساحات الخيال حتى أبهروا الجموع، وتوقف الوقت ليأخذونا معهم إلى تلك الرحلة التي لم نذهب إليها في الرحلات المدرسية، ولا جامعاتنا عندما كبرنا، رحلة تشبه براءتهم وهمساتهم العفوية، بداية ليست ككل البدايات.

 قدموا عرضهم (الرحلة) فتسللت إلى نوافذنا أشعة لتوقظ الأمل والضحكات التي غفت منذ سنوات ولم يستطع إيقاظها أحد. تتحدث مسرحية (الرحلة) عن مجموعة أطفال يمتلكون طاقات ومواهب متميزة، ويقطنون في دار أيتام، قرروا أن ينضموا لفرقة مسرحية وبدؤوا تدريباتهم مع أستاذهم الذي آمن بقدراتهم وأحلامهم.

قبل بداية العرض الأول لهم وهم في طريقهم إلى المسرح ضرب الهاون الحافلة التي كانت تُقلهم واستشهد أكثر من ثمانية وعشرين طفلاً، وحلماً بذوره في الأرض ووصل ليزهر في السماء، لكن عندما سمع أستاذهم بالخبر لم يصدق ما تردد لمسامعه وأراد أن يبدأ العرض في خياله كما رسمه  منذ سنة خلال التدريبات،  هذا كان عنصر المفاجأة لمن حضر العرض، فاستطاع المخرج لأنه هو من كتب النص وأخرجه أن يأخذنا معه، لنرى حكاية كل طفل وعفوية أدائه وسحره الخاص على خشبة المسرح، هذه البراءة التي تعودنا أن نلمسها ونشعر بها والتي أوقدت في داخلنا شعلة أمل لم ولن تنطفئ.

شاهدنا تفاعلاً كبيراً من الأطفال فيما بينهم، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على الألفة والتقارب بينهم، الذي انعكس إيجابياً على أدائهم وعلى تفاعل الجمهور معهم أيضاً.

ومن جانب آخر استطاعوا أن يأخذوا الجمهور إلى عدة عوالم مختلفة ومتفاوتة كقدرتهم على إضحاك الناس حيناً، وفي حين آخر التأثير بهم بحالة حزنهم التي يعيشونها في مشاهد متلاحقة.

إضافة إلى قدرتهم على إقناع الجمهور والتأثير به بأنهم بالرغم من موتهم عادوا ليوصلوا كلمتهم وإيمانهم بأن آمالهم وأحلامهم لن تموت، وبأنهم هم أبناء سورية عاشوا فيها وماتوا فيها، لأنها الكنز الذي يلمع في عيونهم.

كل طفل تحدث عن طموحاته وأحلامه وجروحه التي أتعبته منذ الصغر، وعن سبب مجيئهم لدار الأيتام حاملين معهم هذه الصراعات بين الوجود والأحلام، والحرب التي أخذت منهم أغلى ما عندهم.

العرض المسرحي (الرحلة) برعاية من وزارة الثقافة – مديرية الطفل،  وأقيم ضمن فعالية (مدرستي إطلالة الفرح ).

قُدّم العرض على مسرح دمر الثقافي لمدة خمسة أيام ابتداء من 14 إلى 18 أيلول. وكان نتاج عمل فرقة (كلنا سوا) ضمن برنامج مهارات الحياة، من إخراج وائل ناجي.

التقت (النور) بمخرج العمل وسألته عن القيم التي تنمّيها هذه المسرحية، فأجاب بأن المسرح بحد ذاته هو الذي يمنح القيم، فموضوع الخير والشر هو قيمة، والمحبة والتعاون معاً وفيما بينهم وعلاقتهم الاجتماعية هي مجموعة من قيم عديدة تصقل شخصية الطفل وتنمّيها).

وعن سؤالنا له عن ميزات النص التي سمحت باختياره للإخراج فيقول :(الميزة الأولى هي العمل عن أطفال دار الأيتام ولكن بطريقة (الحدّوتة) التي تناولت كل أطفال سورية وكان العمل موجها للأطفال والكبار معاً.

إذاً، مسرحية الرحلة كانت عبارة عن حكاية سردية ترك المخرج للأطفال حرية التعبير عن شخصيتهم، وفي الوقت نفسه أظهر شخصيتهم المطلوبة ولكن بطريقة عفوية وقريبة من الناس، فاهتم المخرج بأدق التفاصيل البسيطة، فقدم لنا الأطفال خلال ساعة وربع لوحات بصرية ومختلفة، إلى جانب الموسيقا المتنوعة التي خدمت النص وساعدت على إظهار قدرات الأطفال ولونت أداءهم.

نقول لأبناء الشمس أبناء سورية بأن رسالتهم وصلت من دون أن تقطع المسافات، ومن دون أن يوصلها ساعي البريد، هي قفزت منا وإلينا، واتحدت بخيالنا وطفولتنا ووصلت بمحبة وصدق، فالمستقبل ينتظر أقماراً تشع من الأرض إلى الأرض.

العدد 1104 - 24/4/2024