الساعة السابعة لفيروز

 الساعة السابعة صباحاً، يصدح المذياع: طلعت ياما أحلى نورها.. شمس الشموسة!

 وبعدها تسمع صوتاً يناديك لتبقى على قيد الأمل وقيد السلام، ينقلك إلى عالمٍ أخر وينقذك من سباتٍ قد يعيش فيك، حتى أنه يمشي في أنحاء جسدك وينساب بين مسامته كأمواج سرمدية وألوان لا توجد في قوس قزح، بل ألوان جديدة اختارتها تلك الموسيقا العفوية التي تمايلت في ثنايا الذاكرة، وراقصت العاطفة وحاكتها، حكايات حقيقة وبعضها خيالية، وأخرى لشعراء كبار ومسرحيات عشنا معها وتمنينا أن نكون إحدى شخصياتها.

 (فيروز) هذه الحنجرة الألماسية التي أنارت قلوب الكثيرين في العالم، أصبحت نجمة الصباح والمساء، في أيام الحب والحرب يسمعها عشاقها في كل الأوقات، ويرددون أغانيها عن ظهر قلب، حتى اتحدت مع الصباح تضفي عليه موسيقاها الساحرة فيعبق بها النهار وتزهر وردة الوردات، وهي منشغلة تلملم عطر النرجس، يسأل الناس عن حبيبها فتؤكد:

أنا لحبيبي وحبيبي إلي يا عصفورة بيضا لا بقى تسألي!

منذ سنوات وهي تدق على باب أحلامنا، في طفولتنا كنا نصعد مع القمر على الشجرة ونتخيلها، نركض وراء الطائرة الورقية من دون أن نَحملها، إنه شرف للأجيال التي كبرت وداعبت مخيلتها كلمات الرحابنة الذين منحونا اللقاء بفنٍّ حقيقي.

 وكان لكل تفاصيل الطبيعة والأرض حكايتها الغريبة مع فيروز، فحكاية دمشق عشق وسرٌّ من أسرارها، رافقتها وتجلت بها لحناً خالداً، فلم تتوانَ عن المجيء إلى دمشق لترسم آلاف الضحكات في كل سنة في معرض دمشق الدولي منذ الخمسينيات حتى أواخر الثمانينيات. نادت دمشق فيروز على جبهات القتال، وكانت مفتاح سر النصر وبدايات المعارك (يا قمر مشغرة.. خبطة قدمكم)، وعندما لوح النصر بيده في تشرين لم تغب شآم المجد، رد الصدى يتمتم باسم القدس ويسبّح وينادي:

 يا قدس يا مدينة الصلاة أصلّي!

 ونصلّي كلنا لأجلك، في ميلادك لا نجد كلمات تعبر عن كل الجمال الذي تمنحيننا إياه!

 في ميلادك ألف وردة وألف تحية لجبينك العالي!

 في ميلادك تغني سورية تراتيل تعانق السماء، تقرع الأجراس والساعات لتعلن عن بدايتك أنتِ.. يا وردة مخمليةَ اللون!

العدد 1104 - 24/4/2024