المواطن ورحلة «سعادته» اليومية..!

في كل صباح يستيقظ المواطن (والفرح يملأ قلبه)، أما عن أسباب سعادته الدائمة فهي عديدة وشيقة بل ومثيرة، فعندما يفتح عينيه مستيقظاً بكل نشاط، يقفز إلى (مفتاح الكهرباء) ليرى هل الكهرباء تزور منزله أم أنها نسيت عنوانه؟ بالطبع، الجواب معروف لدى الجميع، فالكهرباء أصبحت ضيفاً خفيفاً، فهي ما إن تأتي حتى تذهب سريعاً، وبعد ذلك، يكمل رحلة سعادته ليلبس ثياب عمله، ويتناول فطوره الصباحي، وينطلق إلى مساعيه، وهنا تبدأ معه مرحلة الإثارة والتشويق، فينتظر أمام مواقف السرافيس لحين سماع (التزمير)، وينتظر المواطن وينتظر إلى أن يأتي المنتظَر، وبالطبع هناك شروط لركوب السرافيس، وهي الإقدام والسرعة، والبديهة والقوة، فعليه أن يكون متيقظاً، ولأي حركة حذراً، فقد يأتي السرفيس بغتة، ويذهب عليه بغفلة، كما يجب أن يكون قوي البنية، لأنه سيخوض (مصارعة حرة) مع المواطنين المتزاحمين، والذين يركضون وراء السرفيس، لكي يحصلوا على الكرسي المنشود، بعد التدفيش والتكسير.

وبعد (معارك) النقل للوصول إلى مكانه المقصود، وبعد أن يدفع من جيبه ذاك المبلغ (الذي يكسر الخاطر ويلتهم الراتب)، يمارس المواطن عمله بكل (نشاط وتفاؤل) لحين أن ينتهي دوامه، وبالطبع قبل أن يعود لمنزله، لديه واجب يومي يجب أن يقوم بعمله، ليخوض مغامرة أخرى.. ولكن مع بائعي الغذاء (والخضرة)، فعليه أن يلبي متطلبات منزله اليومية، من (بيض وزهرة وزيت ولحمة)، ولكن المواطن أصبح يضع في قائمته اليومية، خانة تسمى (خانة المحظورات الشهرية)، وتشمل العديد من المواد (الرخيصة) التي أصبحت لا تتناسب وأذواق أسرته الفقيرة، فقد حظر اللحوم الحمراء التي أصبحت فقط للأثرياء، وقنن الزيوت بعد أن شهدت أسعارها الجنون، وأصبح لدى دخوله إلى بائع الخضار كأنه يشتري من (صائغ الذهب والماس)، فهو يشتري الخضار بالغرامات خوفاً من انتهاء الليرات، وأصبحت الفواكه من الرفاهيات، أما إذا أراد أن يشتري الفروج، فهذا يحتاج إلى مشروع. وبعد أن ينتهي من (النطنطة) بين البائعين والدكاكين ليبعد عن نفسه (لعنة الدولار التي أصابت كل أنواع السلع والخضار)، يعود أدراجه إلى السرفيس الذي بات ركوبه نوعاً من المستحيل.

يعود المواطن إلى منزله متعباً، من يوم مليء (بالأحداث المرحة)، ولكن تبدأ الطلبات الأخرى، فعليه أن يشتري الحطب للتدفئة، وعليه أن يذهب بطفله إلى الطبيب، لأنه مريض، فينطلق (والبهجة تعلو محياه) إلى الطبيب للقياه، ولكن تعرفته مرتفعة (والجيبة فارغة)، فلم يكن أمامه إلا الصيدلي فذهب وشرح للصيدلي مرض (الصبي)، فوصف له (راشيتة) دوائية بألف ليرة وخمسمئة، فأصابه الذهول من هول سعر الدواء (المقبول)، فهو لا يستطيع الجمع بين الطبيب والدواء (فالاثنين معاً يجلبان الصداع)، ويذهب ليشتري الحطب، للحصول على تدفئة بعد أن فقد البدل، فلا المازوت موجود، ولا أسعاره تناسب الدخول، فاشترى الحطب مغشوشً وبالماء مرشوشً، وعاد لمنزله فرحاً مسروراً، وبدأت رحلته المعهودة.. مع مدفأة الحطب.. ما بين (نفض وتشحير) ودخان و(تعتير).

وذهب في اليوم التالي ليدفع ما عليه من دين مالي، فبدأ بالفواتير ودهش من (رخصها) وبات يحسب الحساب لدفعها.. ففاتورة الهواتف تضاعفت وفاتورة الكهرباء رغم انقطاعها تعاظمت، والمياه كذلك الأمر، كانت فواتيرها من الأمر.. فكل شيء ارتفع إلا دخله وقع..وجيبه انرقع.

وعندما ينام.. تأتي في باله الأحلام.. وأصوات زقزقة العصافير والطرب والمزامير.. فإذا هو يفيق متفائلاً من حلمه الجميل.. إلا أن أصوات حلمه كانت واقعاً.. فصوت الزقزقة هي عصافير معدته.. والطرب والمزامير هي للمولدات الكهرباء.. فعاد ونام.. وحلمه كان من أوهام.

وإذا تحدث مع أصحابه فهو ذو لسان متفائل، فكل شيء رخيص، وأجرة المواصلات تكلف الشيء (اليسير) فالراتب ضاع بين الطبيب والسرفيس، وبين البطاطا والبندورة، ولم يعد هناك شيء (للمكمورة)، حتى الفلافل والشنكليش أصبحت متكبرة على الرغيف، فالقرص بخمس ليرات أو يزيد، والجبنة لدينا كأنها حديد، والصانع يعلم أن المواطن يريد أن يستر معدته، فأضاف الدهان إلى (اللبنة)، وجعل من معدته قوية البنية، فكل الأغذية (تمام) والرقابة على الأسواق (يا سلام).. ولا وجود للغش والتدليس حتى المرتديلا أصبحت تباع بالكيس، ومواد غذائية منتهية الصلاحية، لا وجود لها في أسواقنا المحلية.. فكل شيء في أسواقنا مراقب قبل التصنيع، فلا تقلق يامواطن وكل دون (تشمير)..

فهذا هو حال المواطن يا حكومة.. فهل من تحرك لمعالجة (سروره)؟!

العدد 1105 - 01/5/2024