محاولات إسكات الأصوات الحرة.. «الميادين» أنموذجاً!

 من سمات التخلف، سياسة رفض الحوار وعدم قبول الرأي الآخر، وهذا إلى جانب اللجوء إلى الكثير من أساليب التضليل والاعتماد على آراء متخصصة في الحرب النفسية، ثم العمل على تكميم الأفواه ومنع الآخرين من التعبير عن آرائهم.

الدول المتخلفة، ومنها السعودية على سبيل المثال، وعبر وسائل إعلامها من فضائيات وصحف ومحطات إذاعية، اعتادت على التضليل والخداع، فهي لا تسمح لشعبها ولا للشعوب الأخرى إلا بسماع الصوت الرسمي (صوت سيدها وليّ الأمر)، ولا تسمح بظهور صوت الرأي الآخر مهما كان حجم انتشاره، وهي لا تكتفي بذلك، بل تعمل على شراء الضمائر والأصوات في المحيط الذي قد يفضح زيف مواقفها، كما تلجأ إلى ممارسة عمليات الترغيب والترهيب وتصفية الخصوم، وإن كانوا إعلاميين يقاتلون بالقلم والصوت والصورة، أو لمجرد نقل صورة الواقع كما هو من دون تعليق.

السعودية التي لا تقبل الحقيقة ولا الصوت الحر، وقفت موقفاً شائناً تجاه قناة (الميادين)، وهي القناة التلفزيونية المعروفة بمهنيتها العالية ودقتها في نقل الخبر وتغطيتها الواسعة وانتشارها العالمي، ما وضعها في واجهة القنوات العالمية، وأثبتت قوتها وتأثيرها على مسار الحروب العدوانية التي تشنها السعودية على المقاومة العربية في كل مكان، وخاصة في لبنان وفلسطين، وعلى العراق وسورية واليمن والبحرين، وتتحالف مع الصهيونية والماسونية العالمية للحفاظ على بقاء العائلة (آل سعود) في الحكم.

لاشك في أن قناة الميادين، بطرحها للحقائق ومجريات الحروب التي تشنها السعودية- كما ذكرنا قبل قليل- وأسرار هذه الحروب من حيث أهدافها ونتائجها، وكشف المواقف السعودية المتجاهلة تماماً لما يجري في فلسطين من اقتحامات متكررة للأقصى المبارك، ومن قتل واعتقالات للفلسطينيين، وأيضاً مواقف السعودية الرافضة لأي حوار وطني في اليمن أو في سورية، من ذلك كله وجدت العائلة السعودية نفسها أنها أصبحت محرجة أمام شعبها وأمام العرب والعالم، ولهذا قامت بالضغط على شركة (عربسات) التي تشترك (الميادين) في بث برامجها عبر أكثر من حزمة منها، لوقف هذا البث، مستغلة ملكيتها للنسبة الأكبر من أسهم هذه الشركة، علماً بأن معظم أعضاء مجلس إدارة هذه الشركة يدورون في الفلك السعودي.

إذاً، الحروب الدائرة في المنطقة تستهدف محور المقاومة والممانعة بكل أشكالها، وذلك للقضاء على هذه المقاومة والممانعة واستئصال ثقافتها وإخضاع المنطقة لأمريكا وإسرائيل.. وهذه الحروب لها أشكالها، منها المحور العسكري أو الشكل العسكري الذي تقوم به تنظيمات إرهابية مسلحة مثل داعش والنصرة وأخواتهما في سورية والعراق وليبيا واليمن ولبنان، بالنيابة عن واشنطن وحلفائها وعملائها، ومنها المحور الإعلامي الذي جندت له أعداداً هائلة من المحطات التلفزيونية والإذاعية والصحف والمجلات عبر الوطن العربي والعالم، وهي تعمل على تزوير الحقائق وترويج الأكاذيب، مقابل مبالغ طائلة من الأموال تدفعها السعودية وقطر لهذه الوسائط.

إن (الميادين) التي لم يمض على انطلاقتها إلا سنوات قليلة، ذنبها الوحيد لدى السعودية وأسيادها في أمريكا وإسرائيل، أنها أعلنت بصدق عن سياستها الإعلامية الموضوعية من جهة، والانحياز إلى جانب الحق القومي وحق الشعوب في المقاومة، والوقوف في وجه الهيمنة والتسلط ونهب الثروات من جهة أخرى، وأثبتت من خلال بثها وتغطياتها الناجحة مهنيتها وقبولها الرأي الآخر باستضافة أعداد كبيرة من الضيوف الذين كان الكثير منهم يخرجون عن أدب الحوار ويتهجمون بل ويمارسون أحياناً الشتيمة والسباب، إلى أن يتم تنبيههم بلباقة وأدب، من دون أن يتم وقف البث أو قطع الصوت من دون استكمال الحوار، وهو ما فعلته (الجزيرة) و(العربية) أكثر من مرة منذ عام 2011 حتى الآن، إضافة إلى اجتزائهما الكلام وحذف مالا يناسب هاتين المحطتين الخبيثتين والعملتين.

(الميادين) أيضاً أعلنت بشكل صريح انحيازها إلى جانب الحق الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ووقفت مواقف مشرفة أثناء الحروب الإسرائيلية على غزة، بعكس ما فعلته (الجزيرة) و(العربية) في تلك الحروب، إذ كانت تغطياتهما لوقائع الاعتداءات على غزة ملغومة وتخدم الكيان الصهيوني بشكل واضح.. وهذا ما كشف وظيفة هاتين المحطتين وأدى إلى خسارة سمعتهما والحد من متابعتهما في الوطن العربي والعالم الإسلامي، بعد أن تبين أنهما محطتان موظفتان لخدمة قضايا الصهيونية العالمية وأمريكا وإسرائيل وأهدافها.

العائلة السعودية الحاكمة والمتخلفة اعتادت على تبعية وسائل إعلام عربية عديدة لها، ورفضت على الدوام خروج أية وسيلة إعلامية على آرائها، وهنا نشير إلى ممارسة شركتي (عربسات) و(نايلسات) تجاه محطات التلفزة السورية (الإخبارية والدنيا) لأنهما كانتا تنقلان الحقائق والوقائع بموضوعية من الشارع مباشرة، وفضحتا ونشرتا اعترافات الكثير من أدوات المؤامرة وأساليبها.

جدير بالذكر أن (الميادين) ليست محطة حكومية ولا موالية لأحد، بل هي شركة مساهمة غير حكومية، ولها مجلس إدارة مستقل، إلا أن فعلها تفوق من حيث الأداء والمهنية على الكثير من المحطات.. (الميادين) لم تجد حرجاً في استضافة أعداء المقاومة وبعض المحللين والباحثين الذين يخدمون مشاريع مشبوهة، ولكن بذكاء إدارتها ومهنية عناصرها، كانت تكشف سطحية هؤلاء وانحيازهم ضد شعوبهم وأوطانهم لقاء مكاسب مالية مغرية أو لقاء غايات أخرى بعيدة عن الوطنية أو الحق.

إذاً، الذريعة الواهية التي أخذها مجلس إدارة قمر عربسات على (الميادين) أنها (استضافت ضيفاً إيرانياً)، هذه الذريعة ليست جوهر القضية إطلاقاً، جوهر القضية هو تراكم إنجازات (الميادين) وقدرتها على الوصول إلى أوسع شريحة في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وحتى وصولها إلى الفضاء العالمي بهذه السرعة، وانحيازها إلى الحق وإلى ثقافة المقاومة، والتزامها المصداقية ونقل الحقائق.

والجدير بالذكر أن السعودية ليست من تنبه واكتشف خطورة أداء (الميادين) عليها، وعلى أسيادها في واشنطن وتل أبيب، بل هي مراكز الأبحاث الأمريكية والغربية التي تقدم المشورة للعائلة السعودية وأمثالها وتقترح عليها الإجراءات.

بقي أن نقول إن مثل هذا الإجراء بحق (الميادين) يتعارض مع حرية الرأي والتعبير في كل أنحاء العالم.

ولكن ستبقى (الميادين) الصوت الحر والصادق، صوت الحقيقة وصوت المقاومة وصوت فلسطين العربية المُغتصبة من قبل الصهاينة الأشرار

العدد 1107 - 22/5/2024