هل سيتكرر السيناريو… وماذا عن العقبات؟.. دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة يعود إلى الواجهة مجدداً

قضية قديمة جديدة تثيرها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية عن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فقد ذكر وزير الاقتصاد مؤخراً في تصريح له، أن مجلس الوزراء أقر مشروع نصوص تشريعية كانت اقترحتها الوزارة تلبي حاجة الاقتصاد الوطني وتؤسس لنقلة نوعية جديدة له وتعمل على تفعيل التشاركية بين الجهات العامة وقطاع الأعمال لضمان حسن التنفيذ وفعاليته، لافتاً إلى أن النصوص التشريعية المذكورة قامت بها الوزارة تطبيقاً للبرنامج الاقتصادي للحكومة بما يقوم عليه من مقاربة تنموية لتطوير البنية الارتكازية للإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي ودعم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ذات المكانة الأساسية في النمو الاقتصادي والتشغيل والتطوير.

وأشار الجزائري إلى أن من بين النصوص المقترحة إحداث هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي ستكون جزءاً من منظومة عمل متكاملة تهدف إلى رسم السياسات والبرامج اللازمة لتشجيع الأعمال وتطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة واقتراحها، والعمل على التنسيق والربط بين استراتيجيات التنمية الوطنية وخططها، نظراً لأن هذا القطاع تتجاوز نسبته 95 بالمئة من منشآت القطاع الخاص، ويلعب دوراً مهماً في التأثير على المتغيرات الاقتصادية بمجملها، ليكون المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي والحرفي.

بالطبع هذه الكلمات التي ذكرها وزير الاقتصاد لم تكن بجديدة، فهي معروفة لدى الصغير والكبير، ولا يخفى على أحد مدى أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن لدينا سؤال مفاده: هل ستنجح الحكومة هذه المرة في تحريك عجلة هذه المشروعات، أم ستكون الأفكار المطروحة آنفاً مجرد أفكار وخطط دون تنفيذ كما جرى سابقاً؟

هل سيتكرر السيناريو؟

المتتبع لقضية تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتطويرها ودعمها يجد أن السيناريو يتكرر ولكن بنصوص مختلفة، فخلال السنوات الماضية طُرحت فكرة إنشاء صندوق خاص لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة برأسمال يقدر ب5 مليارات ليرة، ولكن الصندوق لم يحدث، وبالطبع الخلافات بدأت حتى قبل أن ينطلق الصندوق، وتمحورت حول تبعية هذا الصندوق، وبالطبع، يبدو أن هذا السيناريو سيتكرر في هذا الأمر، فقد بدأت الأحاديث تدار في الأروقة الحكومية عن تبعية هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومؤسسة ضمان القروض الخاصة بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أي أن ما نخشاه في حقيقة الأمر هو أن تحول هذه الخلافات التي تتكرر دائماً دون تنفيذ الأفكار والمقترحات التي تصبّ في مصلحة دفع عجلة الإنتاج.

صعوبات.. والعبرة في التنفيذ

صندوق دعم المشاريع الصغيرة لم ينفذ، وبقيت القضية في طي النسيان إلى هذا الوقت، حتى عادت وزارة الاقتصاد لتحركه مجدداً، بالطبع الفكرة ضرورية، سواء أتمّ إنشاء هيئة أم مؤسسة أم صندوق، فالهدف واحد وهو دعم هذه المشاريع التي تعتبر نواة أي اقتصاد في العالم، ولكن يبقى الحديث عن الدعم سهلاً والعبرة في تنفيذ ذلك.

إن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة حالياً في ظل الظروف الراهنة يواجه العديد من الصعوبات التي تعتبر صعوبات قديمة حديثة، فمثلاً إلى الآن لا يوجد اتفاق على تعريف المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من حيث حجم العمل وعدد العمال؟ فهناك من يرى أنها المشاريع التي تحوي 7 عمال وصولاً إلى 25 عاملاً، وهناك من يرى أنها مشاريع فردية، وهناك غير ذلك من التعاريف، أيضاً لا يوجد إلى الآن إحصائية دقيقة عن عدد هذه المشاريع بالرغم من أنها تشكل جل النشاط الاقتصادي في سورية سابقاً وحالياً.. فقبل الأزمة الحالية كانت تشكل نحو 90% من النشاط الاقتصادي، لأن النشاط الاقتصادي الذي يقبع في الظل يندرج تحت مظلتها أيضاً، وحالياً نعتقد أن النسبة تغيرت لأن المشاريع الكبرى توقفت وبات معظمها صغيراً.

أيضاً من الصعوبات التي تواجه هذا الدعم هو أين تنتشر هذه المشاريع؟ وهل سيرضى أصحابها بشروط الحصول على الدعم، خاصة أن الدعم الذي سيقدم لها سيدرجها تحت المساءلة المالية، أي سيخضع نشاطها للضرائب والرسوم، فكيف سيتم إقناع أصحاب المنشآت القابعة في الأقبية وفي أطراف البلدات وفي الأرياف بالتقدم للحصول على قرض مالي لكي يقوموا بتنشيط أعمالهم أكثر؟ وكيف ستكون شروط الدعم؟ هل ستعفى هذه المشروعات من الضرائب؟ هل ستدرس هذه المشروعات من حيث الجدوى الاقتصادية قبل إعطاء القرض لها؟ ما هو الضامن الحقيقي الذي سيفرض على المقترض لإرجاع القرض وتسديده؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات دقيقة وربما تظهر لدى التطبيق الفعلي أمور لم تكن في الحسبان، من حيث نشاط المشروع الصغير، فلكل مشروع نشاط يختلف عن الآخر، وبالتالي الشروط قد تختلف، ويجب أن تكون هذه الشروط مرنة وقادرة على تلبية متطلبات المشروعات كافة. أيضاً يطرح سؤال هام هنا: هل ستشمل مؤسسة ضمان القروض وهيئة تنمية المشروعات الصغيرة المشروعات التي ستنطلق جديداً، أم أنها ستكون موجهة للقائمة فقط؟

أيضاً هل سيكون الدعم المقدم لهذه المشروعات فقط مادياً؟ ماذا عن توفير المواد الأولية لهذه المشروعات، وماذا عن أسواقها لتصريف منتجاتها؟.. ألا يشملها الدعم أيضاً؟

البُعد عن الروتين والإجراءات الإدارية

يبقى أن نؤكد أن الخطوة هي في الاتجاه الصحيح ولكن ستواجه في العديد من الصعوبات، ونحن عندما نلقي الضوء على الصعوبات، لا لإحباط الفكرة بل لتجاوز هذه الصعوبات وأخذها في الحسبان، لكي نمنع فشل الفكرة، أيضاً نؤكد أنه في حال أُحدثت هيئة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومؤسسة لضمان القروض الخاصة بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أن لا تكون هاتان المؤسستان عبئاً إضافياً على أصحاب المشاريع من حيث الإجراءات الإدارية، فليست العبرة في إحداث مؤسسات وهيئات وزيادة الحلقات الإدارية لصنع القرار الصائب، بل العبرة في سرعة القرار وصوابه، والابتعاد عن الروتين في الإجراءات، فهل يمكن تحقيق كل تلك التحديات؟ لذا نؤكد أن العبرة في التنفيذ الصحيح!

العدد 1107 - 22/5/2024