ما الذي يريده الأتراك من عزيز تحالفهم الصهيوني السعودي؟

 بعد أن فقدت تركيا معظم الأصدقاء في المنطقة العربية، وتدخلت في تأجيج الصراعات الدموية هنا وهناك، كان لابد لها أن تبحث عن أصدقاء جدد أو ترمم علاقاتها مع الدول التي تشاركها افتعال الصراعات وتأجيج العنف في المنطقة مثل الكيان الصهيوني والسعودية، ولذا جاءت زيارة الرئيس التركي إلى الرياض، ليعقبها بعد يومين إعدام العلّامة نمر باقر النمر كمناورة سعودية جديدة لاستفزاز طهران وجرّها إلى توترات جديدة، توتراتٍ كفيلة بإبعاد الأنظار عن ملف داعش ومساعي الحل السياسي حول سورية، ما من شأنه أن يُفرح أنقرة التي يعرف الجميع أنها لا تقبل بأي حل يأتي على حساب دورها في بلاد الشام، إن كان في موضوع الأكراد أو التركمان أو الجماعات السياسية والعسكرية التي تدعمها منذ ألهبت الصراع في البلاد، وأدخلت المرتزقة من كل أنحاء العالم لتدمير الدولة السورية وتقويض أركانها.

وتؤكد المعلومات أنه جرى خلال الزيارة توقيع صفقات عسكرية ضخمة اتفق عليها أردوغان وكلّ من ولي العهد السعودي محمد بن نايف، وولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان، بموجبها ستشتري المملكة ما قيمته 2,5 مليار دولار من المدرعات التركية، مع احتمال أن يصل هذا الرقم إلى 10 مليارات دولار، بحيث تشمل الصفقة معدات عسكرية أخرى تركية الصنع، بينها طائرات تجسّس من دون طيار، علماً بأن مالكي الشركات المصنّعة مقرّبون من أردوغان.

وتؤكد المعلومات أن ثمة رغبة تركية سعودية لتشكيل تحالف تكون إسرائيل هي الطرف غير المعلن فيه، وذلك بغية تدمير كل المساعي السلمية لحلِّ الأزمة السورية، فضلاً عن افتعال مشكلات جديدة مع إيران وروسيا بغية توتير الأجواء في المنطقة، ونسف كل الجهود لتقريب وجهات النظر وإيجاد حلول لأزمات المنطقة.

وقبل أيام قليلة من زيارة أردوغان إلى الرياض أكدت مصادر تركية وصهيونية متطابقة، التوصل إلى اتفاق مبدئي لتطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، اتفاقٍ ينصُّ على طرد القيادي في حركة حماس صالح العاروري من تركيا، مقابل عودة الحميمية والدفء إلى العلاقات. ومن المعروف أن العاروري أسير فلسطيني محرر أبعدته السلطات الصهيونية عن فلسطين قبل أكثر من 5 سنوات ويقيم حالياً في مدينة إسطنبول. ويزعم الكيان الصهيوني أن العاروري يقوم بتنظيم مجموعات عسكرية في الضفة الغربية والتخطيط لعمليات ضد أهداف داخل الكيان الصهيوني، كما ينصُّ الاتفاق على وقف (النشاط الإرهابي) لحركة حماس بشكل نهائي داخل تركيا.

وقد تم التوصل إلى الاتفاق بين الطرفين في سويسرا، حيث التقى مساعد وزير الخارجية التركي فريدون سيرينلي أوغلو مع ممثلي كل من رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وجهاز الاستخبارات (الموساد)، وفق مواقع تركية. من جهة ثانية، ذكرت صحيفة (هآرتس) الصهيونية أن المحادثات في سويسرا تطرقت إلى حادث عبّارة (مرمرة) في عام ،2010 ووضع صيغة نهائية للاتفاق الذي يقضي بدفع الكيان الصهيوني مبلغاً قدره 20 مليون دولار كتعويضٍ لأسر ضحايا عملية اقتحام الجنود الصهاينة للسفينة التركية، إلى جانب إعادة سفيري البلدين، وبدء محادثات حول تصدير الغاز المكتشف قبالة سواحل قطاع غزة إلى تركيا، بعد التوقيع على الاتفاق. وتؤكد مصادر الخارجية التركية أن وثيقة تطبيع العلاقات ستوقّع في وقت قريب، مؤكدة أن المحادثات الثنائية لا تزال متواصلة.

وكان رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، قد أكد قبل أيام أمام لجنة الاقتصاد في الكنيست، أنه سيرسل مبعوثاً خاصاً إلى تركيا لمناقشة مسألة تصدير الغاز، فيما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل من شأنه أن يحمل الخير للطرفين. والحقيقة أن الولايات المتحدة، التي لعبت على مدى الأعوام الأخيرة دوراً محورياً في الجهود لإصلاح العلاقات التركية – (الإسرائيلية) وتطبيعها، لها علاقة كبيرة بهذا الأمر. وليس مستبعداً أن التصريحات من الطرفين قد تكون مرتبة ضمن مسعى مستتر يقوم به الطرفان مباشرة أو عبر طرف ثالث. فرغبة نتنياهو في إقرار صيغة الغاز في الكنيست، اصطدمت، قبل أيام، بإصرار لجنة الاقتصاد على رفض الالتفاف على قرار المسؤول عن منع الاحتكارات، عبر الاستناد إلى البند 52 الذي يعطي مبرراً أمنياً لهذا الالتفاف، تبدو جامحة.

وقد برر هو ورجاله الإصرار على القرار بأن تصدير الغاز يفتح أمام إسرائيل فرصة لإنشاء علاقات سياسية وثيقة مع دول المحيط ويعزز مكانتها الدولية. كما أن شركات الطاقة التركية والإسرائيلية تحث الحكومتين بقوة على استغلال اللحظة الراهنة والإعلان عن تطبيع العلاقات. ولأن عواقب الأزمة الروسية – التركية ستنعكس على قطاع الطاقة، فإن أنقرة ترى في الغاز الإسرائيلي مخرجاً وفرصة لإصلاح العلاقات مع تل أبيب. ويقول رجال أعمال إسرائيليون، ضالعون في الأمر، إن (الأتراك تواقون لإنهاء الأزمة مع إسرائيل وتحقيق تقدم بشأن الغاز).

وإذا كان البعض يرى في العلاقة بين حزب العدالة والتنمية في تركيا والصهاينة أمراً جديداً، فإن هذا دليل واضح على جهلهم بالتاريخ القريب لطبيعة هذه العلاقة البعيدة الأمد، بالرغم من أنها أخذت واقعاً جديداً عقب ظهور أردوغان وقيادته لحزب العدالة والتنمية لتركيا، فهذه العلاقة بدأت منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، عندما كان أردوغان مسؤولاً لفرع حزب (الرّفاه) في إسطنبول، حيث تَعرَّف على السفير الأمريكي في أنقرة آنذاك مورتون إبراموفيتس، الذي ربط أردوغان بشخصية أمريكية مهمة جدًّا لإسرائيل، هو بول ولفوفيتز، لذا عندما بدأ الأمريكيون التفكير في دعم الإسلام الليبرالي في المنطقة، لم يكن أمامهم إلا أن يدعموا الإسلاميين في تركيا. ومنذ أن بدأ أردوغان حياته السياسية، حظي بدعم كبير من قبل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولهذا منحه المؤتمر اليهودي الأمريكي عام 2004 وسام الشجاعة، وقال المسؤول عن المؤتمر اليهودي أثناء تقديم الوسام لأردوغان: إن هذا الوسام ليس فقط تقديراً للخدمات التي قام بها أردوغان لأمريكا، بل إنه،أيضاً، تقديرٌ للخدمات التي قام بها لدولة إسرائيل وموقفه الطيب حيال المجتمع اليهودي في العالم. وفي هذا الإطار سعت الإدارة الأمريكية، خلال فترة صعود حزب العدالة والتنمية بتركيا، إلى تقريب وجهات النظر بين أنقرة وإسرائيل؛ باعتبارهما حليفين لواشنطن؛ حتى تتمكن من التفرغ لتنفيذ مهام استراتيجية أخرى، ترتبط بسياستها الخارجية التي تصطدم بالصين وروسيا، إضافة إلى المواجهة مع إيران وكوريا الشمالية؛ لذا كان من المهم لأوباما تحقيق تقارب بين الجانبين في أعقاب حادث مرمرة 2010.

وتؤكد صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية أن الشرارة التي أطلقتها (الثورات)، والأوضاع المتغيرة المترتبة على تلك (الثورات) قد أسفرت عن تغيير في الحسابات (الجيو سياسية) لكل من تركيا وإسرائيل، منبهة إلى أن التغيير الذي أحدثته (الثورة المصرية) أدى إلى نوع من الفتور في العلاقات المصرية – الإسرائيلية، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على العلاقات بين تركيا وكل من سورية وليبيا، التي باتت تشهد نوعاً من الجمود على خلفية مواقف تركيا من (الثورة) في البلدين، الأمر الذي دفع كلاً من إسرائيل وتركيا للبحث عن حلفاء جدد، وإدراك أنه لابد من المضي قدُماً نحو التوصل إلى حل للأزمة الدبلوماسية بينهما.

وحسب الصحيفة الأمريكية فقد أدركت تركيا أنها على وشك أن تخسر البديل الذي اختارته على حساب علاقتها بالغرب، أي محور سورية وإيران، وهذا ما دفع أردوغان إلى إعادة النظر في علاقته بإسرائيل. والحقيقة أن الشراكة الاستراتيجية الحقيقية بين أنقرة وتل أبيب، بدأت مع بداية حقبة التسعينيات، بالتزامن مع انتهاء فترة الحرب الباردة، وتحقيق مسيرة السلام العربية-الإسرائيلية لنتائج ملموسة على أرض الواقع، حينذاك دخلت العلاقات الإسرائيلية-التركية هي الأخرى منحنى جديداً اتسم بمزيد من الإيجابية، فقد ارتقى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى درجة سفير في كانون الثاني(يناير) 1992 وتنامت العلاقات الاقتصادية بينهما بشكل ملحوظ، وقفز حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 2,8 مليار دولار في عام 2007 بعدما كان يُقدر بنحو 200 مليون دولار فقط في عام 1993. ومنذ منتصف التسعينيات أصبحت تركيا المقصد السياحي الأول بالنسبة للإسرائيليين. علاوة على ذلك شهدت تلك الفترة توقيع سلسلة من الاتفاقيات العسكرية التي وسّعت حجم التعاون الاستخباراتي المشترك الذي كان قائماً بالفعل من قبل، لكن بمستوى محدود، كما نُفّذت مناورات عسكرية مشتركة للجيشين التركي والإسرائيلي.

إن ما تقوم به تركيا من ترميم لعلاقاتها مع الصهاينة وآل سعود ما هو إلا محاولة منها لضرب كل الجهود الرامية لإيجاد الحلول السلمية لأزمات المنطقة، إلا أن الأتراك وآل سعود تناسوا أن دورهم الوظيفي سرعان ما ينتهي عندما يتفق الكبار على الحل الشامل ووضع حدٍّ لنزيف الدم.

العدد 1105 - 01/5/2024