من الصحافة العربية العدد 705

النفط الصخري: منازلة غير محسومة مع (أوبك)

 لعب ارتفاع الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري، دوراً رئيساً على المدى القصير في تدهور أسعار النفط. أما على المدى البعيد، فقد شكلت صناعة البترول الصخري تحدياً لنظام (أوبك) القديم. بل هناك من يقول إن ثورة النفط الصخري ستنهي نظام (أوبك). ولا شك في أن المنظمة لم تستوعب جيداً أهمية دور النفط الصخري مرحلياً، بخاصة في الفترة التي انخفضت فيها نسبة زيادة الطلب العالمي. لكن، من السابق لأوانه الادعاء بأن هذه الثورة الصناعية قضت على نظام (أوبك) القديم. فلا تزال أقطار المنظمة تلبي ثلث الطلب العالمي على النفط الخام. ولا يوجد منافس جدي لها حتى الآن. كما أن الطلب العالمي على النفط في ازدياد مستمر نظراً إلى النمو الاقتصادي المستدام في الدول الناشئة.

لم يعثر على النفط الصخري فجأة. فقد كان الجيولوجيون في الولايات المتحدة منذ أربعينيات القرن الماضي على دراية بتوافر احتياطات ضخمة من البترول محصورة في الصخور. لكن لم تنطلق الصناعة بحجمها الحالي إلى أن تم دمج تقنيتين حديثتين، الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي للصخور. وأدى الدمج الذي أخذ يعرف بتقنية (الفراكينغ) أو تكسير الصخور بالماء لفتح مساماتها، إلى بروز ثورة جديدة في عالم الحفر البترولي خلال السنوات الثماني الماضية وجعل الولايات المتحدة دولة بترولية كبرى.

تغيرت الأمور من دون مقدمات وبسرعة، بحيث أن التقرير السنوي لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية لم يذكر وجود الغاز الصخري بتاتاً في التوقعات لعام ،2009 لكنه توقع لاحقاً أن يشكل الغاز الصخري في 2012 أكثر من ربع الإنتاج الغازي الأمريكي لذلك العام، وأن يزداد لاحقاً بحيث أن التوقعات تشير إلى أن نصف الإنتاج الغازي الأمريكي سيكون مصدره الغاز الصخري بحلول عام 2035. كما أن إنتاج النفط الأمريكي ارتفع من 636,5 ملايين برميل يومياً في 2011 إلى 8,700 ملايين برميل يومياً في 2014. والسبب الرئيس في هذه الزيادة هو ارتفاع إنتاج النفط الصخري.

هناك أيضاً ما يعرف بالنفط (المحصور)، والذي يسمى أيضاً بالنفط الصخري، لكن في الحقيقة أن النفط (المحصور) يستخرج من أنواع أخرى من الصخور. ولم تسجل الإدارة أي إنتاج منه في ،1999 بينما بلغ معدل إنتاجه نحو مليوني برميل يومياً في 2012. وتتوقع الإدارة أن النفط (المحصور) الذي زاد معدل إنتاجه من المناطق البحرية الأمريكية في ،2012 سيتفوق إنتاجه قبل انتهاء هذا العقد على إنتاج النفط التقليدي الأمريكي من اليابسة.

تشير توقعات المسؤولين في الإدارة إلى ارتفاع الطاقة الإنتاجية للنفط الخام الأمريكي (التقليدي وغير التقليدي) في 2016 لتبلغ 9,6 ملايين برميل يومياً. كما من المتوقع استقرار معدل الإنتاج المحلي، ثم يبدأ الانخفاض تدريجاً مع بداية العقد الجديد، بسبب طبيعة صناعة النفط الصخري، حيث تنغلق مسام الصخور، ما يتطلب إعادة حفرها تكراراً.

شكل شعار (الاستقلال الطاقوي) بنداً مستمراً في حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ أوائل السبعينات، بعد الحصار العربي النفطي على الولايات المتحدة وهولندا لمساندتهما إسرائيل في حرب تشرين الأول(أكتوبر) 1973. وتبنى هذا الشعار جميع المرشحين للرئاسة الأمريكية منذ السبعينيات، من دون استثناء، ما يفسر الدعم الشعبي والحكومي لصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة. واتخذ شعار (الاستقلال الطاقوي) الأمريكي معنى آخر، وهو التخلص من الاعتماد على نفط الدول العربية وما يعنيه هذا من (عبء) على السياسة الخارجية الأمريكية.

تتراوح كلفة إنتاج النفط الصخري ما بين 30 و75 دولاراً للبرميل، بينما تتراوح كلفة الإنتاج في العراق ودول الخليج العربية أقل من 15 دولاراً. لكن يتطلب معظم الموازنات العامة لدول الشرق الأوسط نحو 85 دولاراً للبرميل، ما يبين خطورة تدهور الأسعار على اقتصادات الدول المنتجة، بخاصة في حال عدم استقرار البلاد، أو سوء الإدارة وعدم توفير احتياط مالي كاف لأوقات الأزمات.

يؤدي استعمال ال (فراكينغ) إلى آثار سيئة على البيئة، بخاصة المياه. فهناك حاجة لضخ ملايين الغالونات من المياه لتكسير الصخور في بئر واحدة. ما يؤدي إلى نقص مياه الشرب وتلويثها. وهناك أيضاً الخطورة من الكيماويات التي تمزج بالمياه والتي تتسرب إلى المياه الجوفية. كما هناك مشكلة تخزين المياه المستعملة قبل التخلص منها.

تعاني دول أخرى من وجود البترول الصخري في الصحراء، حيث شحّ المياه. من ثم، فإن استنزاف المياه القليلة المتوافرة هناك وتلوثها، يثيران معارضة قوية من الأهالي. وهذا بالفعل ما حصل في الجزائر أوائل العام الماضي، حيث تظاهر السكان ضد محاولة إنتاج الغاز الصخري من جنوب الصحراء، خوفاً من تلوث المياه القليلة أو شحها في مناطقهم.

ورغم النجاح الباهر الذي حققته صناعة البترول الصخري الأمريكية في السنوات الأخيرة، هناك أسئلة لا تزال تحتاج إلى إجابة واضحة حول مستقبل هذه الصناعة. فهل من الممكن تحقيق النجاح ذاته وبالسرعة ذاتها في دول أخرى تفتقر إلى وسائل التمويل المرنة التي توفرها الأسواق المالية الأمريكية؟ وهل تتوافر منشآت البنى التحتية في الدول الأخرى كما هو متوافر في الولايات المتحدة؟ وهل من الممكن نجاح هذه الصناعة في حال استمرار انخفاض الأسعار لسنوات متتالية، أو عدم ارتفاعها لمستوياتها العالية السابقة، كما تتوقع مؤسسات اقتصادية غربية؟ وما هي الكلفة المترتبة للاستمرار في إعادة حفر البئر البترولي الصخري لضمان انفتاح مسامية الحقول؟ أخيراً وليس آخراً، هل تستطيع أقطار (أوبك) ملاءمة اقتصاداتها مع أسعار نفطية معتدلة وترشيد نفقاتها للتعامل بنجاح مع المنافسة البترولية الجديدة؟ أسئلة تنتظر أجوبة حول مدى نجاح صناعة النفط الصخري على المدى البعيد.

وليد خدوري

(كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة)

عن (الحياة)

العدد 1105 - 01/5/2024