الحمضيات في الساحل السوري اليوم… نعمة أم عبء؟!

 إنتاج الساحل السوري من الحمضيات أمر يقلق جهات عديدة منذ سنوات كثيرة، على خلفية غياب التوازن بين التكلفة وسعر الجملة، وكذلك بين سعر الجملة وسعر المفرق إلى المستهلك.

وعندما تريد طرح الحوار عن الحمضيات وهمومها، فالحوار لا يصلح في الظروف الاستثنائية. ففي مقدمة هموم الزراعة أنها خاضعة لرحمة الطبيعة، ولا ينقذها الإنسان من زحمتها، إلا بنسب ضئيلة، وتضاف إلى هموم اليوم الأزمة التي تمر بها سورية بتشعباتها الكثيرة ونحن جميعاً نعرفها.

هناك حقيقة تقول لا يمكن العودة بالزمان عقوداً إلى الوراء، وفي حديثنا هنا سوف نبقى في الزمن الحالي. وفي مشكلة الحمضيات في كل موسم لها الأسطوانة المشروحة… إنتاج فائض.. أسعار غير مجزية.. تكاليف مرتفعة… ظروف مناخية صعبة.. وقد كنا في وسائل الإعلام والاجتماعات نتباهى بآلاف الأطنان المنتجة من الحمضيات في ساحلنا.. الحمضيات التي طغت أشجارها على كثير من الأشجار المثمرة.. أشجار انقرضت أو كادت.

وعندما نتحدث عن آلاف الأطنان من الحمضيات، فمن الطبيعي أن هناك فائضاً سوف يربكنا في عملية تصريفه، حتى في الظروف الاعتيادية فما بالكم في الظروف الاستثنائية!! ومن تراكم مفردات الأزمة التي حلت بالحمضيات صار بعضهم يصف الحمضيات بالمنتج الاستراتيجي.

بسبب الحمضيات غُيّبت حقائق كثيرة، وفي إطار الظروف المثالية ما عاد يقال أن الزيتون السوري وزيته منتجان استراتيجيان، معهما التفاح واللوزيات والأقماح والشعير، حتى أن الأقماح عادت إلى أحاديثنا على خلفية الأزمة في سورية، وهي الأهم في حياتنا مهما توالت الظروف علينا خيرها وسيّئها.

عند الحديث عن الحمضيات تبدأ المطالبة بالخطط فتخاطب اتحادات الفلاحين والوزارات المعنية والغرف الزراعية والمؤسسات المعنية، وغالباً تأتي التوقعات على مبدأ تجري الرياح بعكس ما تشتهي السفن. فإذا كانت الخطط الزراعية السليمة والمدروسة منها تقدم حلولاً فهل راعى المخطط أحوال المزروعات الأخرى من أشجار مثمرة ومحاصيل حقلية وخضار؟

في الواقع لا..

ثم نسأل أيضاً في ظل ظروف مثالية مستقرة، لماذا هناك دورات زراعية؟ لماذا هناك روزنامات زراعية؟ والسؤال الأهم.. الكم الذي غزا أراضينا من الحمضيات، هل جاء بناء على خطة راعت توفير منتجات أخرى من الأشجار المثمرة بما يغطي حاجات المستهلكين؟

الحمضيات تفرض علينا طرح أسئلة كثيرة، وقد لا نجد لها أجوبة لأننا نعتقد أن البدايات غير ناضجة، وإذا أردنا توصيفها بدقة فهي بدايات وخيارات مزاجية قامت على حساب خيارات أخرى، نحن نراها أهم، والعودة إلى نقطة تقدمت هي: أليس الخبز والزيت أكثر أهمية من الحمضيات وكل ما تقدم؟ نحن لا ندعو هنا إلى العودة إلى الوراء، وهذا ما قلناه في البداية، ولا ندعو إلى خف أشجار الحمضيات علماً بأن مزارعين كثيرين صاروا يرون فيها أعباء كثيرة عليهم.

إلا أن فتح باب الشكاوي لن يُغلق، وقد لا تجد الشكاوي حلولاً جذرية لأن البدايات كما قلنا غير ناضجة.

في الأحوال كلها، الحمضيات في ساحلنا حقيقة لا يمكن نكرانها، ولن تحظى أزماتها بحلول موضوعية إلا بعد عودة الأمور إلى طبيعتها في سورية، وهي أزمة طالت مرافق حياتنا كلها، وعلينا أن نصمد تجاهها.

لكن هذا لا يمنع من وضع حلول إسعافية ولن تكون أكثر من إسعافية في هذه الظروف، وهذه الحلول لن تجدي إلا إذا تضافرت الجهود فيما بين الأطراف المعنية في قضيتنا هذه وأهم الجهود في ضبط الأسعار ابتداء من المنتج إلى السمسار إلى المستهلك.

أخيراً نسأل! هل الحمضيات اليوم نعمة على المزارع أم عبء؟!!

العدد 1107 - 22/5/2024