مواطن بالمزاد بين الخاص والعام

 تصريحات وتبريرات لم تعد تلقى آذاناً مصغية سوى النقد واستهزاء المواطن الذي باتت حياته أكبر استهزاء في مجتمع مهمش يتأرجح بين كفتي المزاد الذي أعلنته قرارات متخبطة خلال سنوات الحرب، أطاحت بكل الحقوق الإنسانية للشعب السوري، وأولها المعيشية باختراق الأخضر للأحمر وتربع الدولار على العرش لتحكم السوداء وتجارها أصغر سلعة يحتاجها مواطن كادح تجاوز خط الفقر وأصبح على منصة مزاد الخاص متسائلاً عن العام.

الحكومة والبنك المركزي ليسا مسؤولين عما وصلت إليه سورية من فقر، هذا ما صرح به معاون وزير الاقتصاد السوري مبرراً رفع الأسعار بأنه نتيجة الأزمة التي تمر بها البلاد.

جريدة (النور) تتساءل كسلطة رابعة وتطرح ما يسأله المواطن السوري الكادح كل يوم مئات المرات: أين مؤسسات الدولة التي يجب أن تحمي معيشتي ومعيشة أطفالي وأسرتي؟؟

انطلق تحقيقنا بداية من السوق وأسعار السلع التي بات ارتفاع أسعارها شبحاً يلاحق المواطن ويشل حركته المعيشية، فقد شهدت الفترة الأخيرة وخصوصاً هذا الشهر ارتفاعاً حاداً للأسعار الأساسية والمؤن محطمة الأرقام القياسية لمجموعة غينس العالمية. فقد وصل كيلو العدس المجروش إلى حدود 500 ليرة سورية والفاصولياء اليابسة إلى 475 ليرة سورية أما السكر فقد تجاوز سعر الكيلو 200 ليرة سورية، أما السمون والزيوت فشهدت ارتفاعاً أيضاً، وتراوح لتر الزيت من عباد الشمس 425 ليرة سورية و475 ليرة حسب الماركة، أما السمون النباتية المهدرجة فتجاوزت 425 ليرة للكيلو الواحد حسب الصنف والماركة. وبسؤالنا للباعة لماذا هذا الارتفاع الحاد للمواد خلال أيام قليلة جداً، إذ تشهد السلعة ارتفاعاً بين ليلة وضحاها؟ قالوا لنا: السبب يعود لارتفاع الدولار فهو المسؤول عن هذا الارتفاع الحاصل. وبسؤالنا لبعض المواطنين عن تأمين حاجياتهم في ظل هذا الارتفاع؟ قال لنا علاء.ج: الأسعار لا تُحتمل ولم نعد قادرين على تأمين أقل متطلبات معيشتنا اليومية، فأنا موظف وزوجتي كذلك والراتب لا يكفي، فكيف حال غير لموظف. أما سماح فقالت: هزلت! باتت حياتنا كذبة كبيرة. أين التموين من الأسعار أم أنهم غير مسؤولين؟ وتساءلت ريم: أين التموين من تجار الخبز الذين يبيعون ربطة الخبز بـ 75 ليرة سورية وأكثر للمواطن، وإذا ذهبت للمخابز ترى الفوضى وإعطاء الخبز بالواسطة، والمواطن ينتظر دوره بالطوابير لساعات. هذا هو الحال كما رأيناه في الكثير من المخابز: الخبز يُمنح لمن يملك الواسطة ليتاجر معظمهم بالخبز فيبيع الربطة بـ 75 ليرة وسورية وأكثر.

معاون وزير الاقتصاد قال: الأزمة هي السبب، ولكن سؤالنا له عن سر ضعف الرقابة الحكومية التي يعتبرها المواطن السبب في ارتفاع الأسعار؟ وأين دورها الحقيقي والتفاعلي الذي وضعت لأجله في ظل الأزمة؟ أم باتت هذه الرقابة سلعة تباع ويشترى بها حسب نفوذ التاجر وسلطته في سوق السوداء؟ سؤال يحتاج إلى الإجابة عنه، من قبل الحكومة ووزارة التموين، أين رقابتهم على السوق والأسعار؟ فمثال صغير جداً عن مادة السكر الذي سعرته الحكومة بــ 130 ليرة سورية، لماذا اليوم السكر تجاوز 200 ليرة سورية؟ ولماذا غير موجود بالمؤسسات الاستهلاكية الحكومية؟!

جريدة (النور) زارت عدة صالات للاستهلاكية ومنها مجمع أفاميا في اللاذقية، لتقارن بين أسعار (العام) و(الخاص) والنتيجة ليست سوى (عيشها غير) يا مواطننا العزيز، فأسعار (العام) لم تكن أفضل حالاً من (الخاص)، بل أسوأ من ناحية الجودة ومدة الصلاحية والأسعار النارية الحارقة. فكما هو معلوم بأن المؤسسات العامة الاستهلاكية لا تحتوي على تنوع كبير بالماركات، فأغلب منتجاتها تعود لشركة سندس ومؤسسات أخرى لم تتطور منتجاتها كما فعلت الشركات الخاصة، والكثير من المنتجات مصرية مثل ماركة فروستي التي تشارف على نهاية صلاحيتها. وبسؤالنا للباحث والخبير الاقتصادي الدكتور سنان علي ديب، رئيس جمعية العلوم الاقتصادية في اللاذقية، عن دور المؤسسات الاستهلاكية العامة وأسعارها خلال الوضع المجتمعي الراهن الذي يشهد مزاداً كبيراً على السلع من قبل تجار القطاع الخاص ومؤسساته التي ازدادت خلال الشهور الماضية؟ أين الرقابة الحكومية وبالخصوص التموينية الآن؟ ولماذا دورها مغيب تماماً؟ قال: من جملة الممارسات التي فُرضت لسحب قوة الدولة ومؤسساتها من السيطرة والتحكم بالعملية الاقتصادية: تفريغ مؤسسات التدخل ومن ضمنها المؤسسات الاستهلاكية ومؤسسات الخزن والتبريد، وذلك إما بعدم إعطائهم المرونة الكافية للمواد التي يتداولونها إو إلزامهم بأسعار معينة تتفوق على أسعار السوق غالباً، وكذلك استجرار المواد من التجار أو من مؤسسة التجارة الخارجية التي تستجر عن طريق التجار بدلاً من الاستيراد المباشر، وحتى في ظل الأزمة قننت ورفعت أسعار السلع التي كانت تسمى مدعومة وأصبحت بمساواة سعر السوق الحر، وكل ذلك ليظل بضعة تجار يتحكمون بالعرض من أجل فرض الأسعار التي يرونها، وغالباً بما لا يناسب الوضع المعاشي للمواطنين. وما يوضح الأمر أكثر هو تأجير الصالات التي بنيت لتكون قوة بالتدخل لصغار التجار ومتوسطيهم… وبالنسبة للرقابة التموينية قبل الأزمة ألغيت للسير بما كان يضمره الدردري من احتكار القلة بداعي حرية السوق والمنافسة، وبعد بدء الأزمة أنشئت وزارة حماية المستهلك، وكان قراراً صائباً والذي حدث هو تفريغها من محتواها عبر مراقبة همّها الاستفادة واستمرار دائرة الفساد، وما زالت عاجزة عن التحكم بالأسعار وبجودة السلع التي تقدم للمواطن وهو ما انعكس سلباً على مستوى معيشة المواطنين وتحكم التجار بالأسعار ورفعها كلما لعب بالدولار، وعدم تنزيلها عندما يهبط الدولار. متلازمة الأسعار والدولار أفقرت الشعب وأرهقت الإنسان وما زالت مسيرة تحكّم القلة في اضطراد، وحتى الخطوط الائتمانية أفرغت من معناها وأبعدت هذه المؤسسات عن الاستفادة منها.

الرقابة الحكومية غائبة تماماً عن أسواقنا وبالخصوص الرقابة التموينية التي تسمى لجان حماية المستهلك. وكنا في تحقيقنا (في العدد الماضي) تساءلنا عن مكتب المتابعة وعن مديريات التموين في المحافظات ودورها في ضبط الأسعار ومعاقبة المخالفين، ففوارق التسعير كبيرة جداً والمواطن لم يعد يحتمل أكثر، فالفرق بين الدخل الشهري والاستهلاك تجاوز أضعافاً وأضعافاً، فالمواطن السوري الكادح بات يتأرجح بالمزاد بين الخاص والعام ويتساءل متى ينتهي المزاد لقد أرهقني التعب.

لجريدة (النور) في نهاية تحقيننا مقترحات بسيطة تقترحها على الجهات الحكومية لعّلها تكون بصيص حل:

* تفعيل الرقابة التموينية من خلال إعادة تفعيل مكتب المتابعة، وتشكيل لجان نزيهة ومختصة عملها في الأسواق وبين المواطنين والسماع لشكاويهم وضبط التسعيرات، وفرض التسعير على كل المنتجات في السوق حسب القانون المنظم لذلك.

* وضع سياسة تسعير للمواد والسلع الغذائية الأساسية بعيدة عن سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

* بالنسبة للمخابز عودة معتمدية الخبز بشكلها النظامي وبالترخيص وتفعيل رقابة مختصة بالأفران تدقق السجلات بشكل يومي وتعمل على تسعير الربطة للمعتمدين، ومعاقبة أي بائع يبيع خبز الأفران بالأسواق بغير ترخيص وهذا ينطبق أيضاً على مادتَيْ الغاز والمازوت.

* تفعيل الإعلام التمويني والإرشادي للمواطن السوري، وتفعيل المؤسسات الاستهلاكية الحكومية بشكل أفضل.

* فرض سياسة التسعير والرقابة على القطاع الخاص ومعاقبة المخالفين.

أخيراً.. إن غياب القوانين الناظمة للرقابة الحكومية أو تهميشها أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر في سورية إلى الحدود القصوى.

العدد 1107 - 22/5/2024