ترجمة النص المسرحي الأجنبي… واقع وآفاق

عقد في اتحاد الكتاب العرب ندوة فكرية، بالتعاون بين جمعية المسرح وجمعية الترجمة تحت عنوان (ترجمة النص المسرحي الأجنبي واقع وآفاق)، أدار الندوة الأستاذ جوان جان، مقرر جمعية المسرح، وشارك فيها كل من الأساتذة د. نبيل الحفار (الحائز على جائزة الترجمة عن فئة المترجمين المتمرسين) من معهد غوته في 2010 عن ترجمته لرواية الكاتبة الألمانية الشابة جيني إيربنبيك (ضربة القدر)، وعلى جائزة الأخوين غرين للترجمة 1982)، والمترجم المعروف الأستاذ توفيق الأسدي، ود. نورا أرسيسان (الحاصلة على وسام (Vilyam_sarouan) من وزارة المهجر في أرمينيا عام 2011 لنقل الثقافة الأرمينية إلى العربية)، والمترجمة والمؤلفة الدرامية آنا عكاش (التي قامت بترجمة الكتاب الهام (تاريخ الأزياء) للباحثة الروسية م. ن. ميرتسا لوفا)، والمترجم والروائي الأستاذ حسام الدين خضور، مقرّر جمعية الترجمة.

أدار الأستاذ جوان جان الجلسة بطريقة جميلة، فتولى طرح بعض الأسئلة المحورية على المشاركين، وكان السؤال الأول عن تاريخ ترجمة النص المسرحي الأجنبي، وبدأ مع الأستاذ الدكتور نبيل الحفار الذي قدم لمحة موجزة عن تاريخ ترجمة النص المسرحي الأجنبي إلى العربية وعن تأخر تأثير المسرح على الثقافة العربية، وكيف بدأ هذا التأثير، إذ يرى الحفار أنه بدأ مع مشاهدة العروض المسرحية في أوروبا وليس بقراءة النصوص المسرحية المكتوبة، فالتأثر بالمسرح الغربي بدأ أولا  فناً بصرياً ثم نصاً ومادة مكتوبة ومقروءة، وتحدث هنا عن تجربة مارون النقاش الذي شاهد العروض المسرحية لأول مرة في روما وفينيسيا ثم في باريس، وكيف عاد متأثراً بهذا النوع الجديد من الثقافة، ثم حاول أن يستلهم بعض الأفكار من النصوص الأجنبية، لكنه أرتأى أن الجمهور العربي المحلي كان بعيداً عن هذه النصوص والمواضيع، فأخذ يستلهم ويعتمد على نصوص معروفة من قبل الجمهور كقصص ألف ليلة وليلة، ورأى الحفار أن أحد أسباب تأخر التأثر بالنص المسرحي الأجنبي هو تأخر وصول حركة الطباعة إلى البلدان العربية وضعف حركة نشر الكتب، إضافة إلى أن المجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت لم تكن مهتمة بنشر النصوص المسرحية، لكن بدأت الأمور تتغير مع انتقال أبو خليل القباني من سورية إلى مصر، إذ كان اهتمام الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية منصباً على القصص والروايات والدراسات، ويرى الحفار أن البداية الحقيقية لدخول المسرح إلى بلادنا كانت بعد الحرب العالمية الأولى مع دخول المستعمر الفرنسي والإنكليزي، فقد بدأت تنشط حركة الترجمة، وهو يرى أن الترجمة آنذاك كانت تحديداً عن الفرنسية والانكليزية وتطورت مع حركة الطباعة والمجلات أما الترجمة عن اللغة الروسية فقال الحفار: (يمكن القول توثيقياً لم نعرف عن المسرح الروسي نصوصاً عن اللغة الروسية، بل عرفناها من خلال اللغتين الفرنسية والإنكليزية، إذ كانتا القناتين الفعليتين لوصول المسرح الروسي إلى البلاد العربية، أي أننا عرفنا المسرح الروسي لفترة طويلة عبر لغة وسيطة، وإحدى المشكلات التي تواجهنا عامة مع الترجمة عن لغة وسيطة هي أن هذه اللغة قد تترجم الرائج من أسماء أعلام ومواضيع قد لا تعنينا جميعها أو تناسب حاجاتنا الثقافية، لكن المترجمين قاموا بترجمتها).

السؤال الثاني الذي طرحه الأستاذ جوان جان على المشاركين كان حول مصطلح (ترجم بتصرف) فأجاب عنه أولاً الدكتور توفيق الأسدي: أنا ضد الترجمة بتصرف من حيث المبدأ، لكن الأمر يختلف في التعامل مع النص المسرحي إذا ترجم النص من أجل العرض المسرحي، لأن العرض يجب أن يكون مقبولاً ومفهوماً للجمهور الواسع، هل نبرر بذلك ترجمة النص المسرحي الأجنبي إلى اللغة العامية المحكية؟ أنا أبرره إذا كان الموضوع كوميدياً يتعلق بالحياة اليومية للناس، فقد ترجم د .نبيل الحفار نصين عن الألمانية (لا تدفع الحساب) و(اسرق أقل رجاءً) وكانا موفّقين، أنا ضد التصرف بالترجمة في الرواية أو الدراسات أو النقد. أما آنا عكاش فقالت إنها ليست مع تصرف المترجم بالمادة الموجودة بين يديه، لكن الحفار كان له رأي آخر (السؤال طرح من وجهة نظر تاريخية، في البداية لم يكن هناك (دراماتور) كان يوجد المفكر والمخرج والأديب بتصرف الذي يطبع النص، في النصوص القديمة كان الشعر يغلب على النص، فكان القائمون على العرض المسرحي يلغون ما كتبه الكاتب والشاعر الأجنبي ويضعون بدلاً منه شعراً عربياً، وكانوا يتصرفون حسب ما يعتقدون أنه يناسب ذوق العامة، إذاً النص المسرحي الذي ترجم بتصرف هو للمترجم وليس للكاتب الأصلي، حالياً اختلف الوضع والجمهور يعرف كل التغييرات التي حدثت للنص المسرحي، فمع كل مسرحية يصدر منشور توضع فيه جميع الأسماء المشاركة ولمن النص ومن قام بترجمته أو عن أي نص أصلي أخذت فكرة النص المعروض).

وسأل جوان جان: هل على الشخص الذي يترجم النص المسرحي الأجنبي للعربية أن يكون مختصاً بالمسرح؟

أجابت د. نورا أعتقد أن المترجم يجب أن يكون ملماً بالصيغة المسرحية لأنه يجب أن يحترم صياغة الكاتب ومنهجيته، فمثلاً لدينا شخصية أديب إسحاق أنه كاتباً ومترجم سوري قديم من أصل أرمني، ترجم مسرحية أندروماك للكاتب الفرنسي راسين، كما ترجم مسرحية شارلمان لفيكتور هيغو، وإسحاق كان كاتب له إلمام بالكتابة المسرحية، وكان يتابع العروض المحلية المترجمة للغة العربية، وأنا مع أن يكون المترجم عن النص المسرحي ملماً بهذا الفن ومتخصصاً به. أما الأسدي فأجاب: (ترجمت ثماني مسرحيات ولست متخصصا بالمسرح لذا اعتقد بإمكانية ذلك). أما الأستاذ حسام الدين خضور فقال: (يقال إن شكسبير كان يكتب لأشخاص بعينهم وأنا أعتقد أنه يجب أن يعمل المترجم مع فريق العمل الذي يعد النص للعرض، فهذا يسهّل نقل النص الأجنبي إلى المشاهد المحلي. وعقّب على تاريخ المسرح (المسرح ليس جديداً في حياتنا، لكن حدث قطع تاريخي معه لأنه كان موجوداً في الحياة العامة منذ 1000-2000 عام في معظم المدن والبلدات التاريخية القديمة السورية لقد كان بناء المسرح جزءاً من مخطط المدينة، ورأى خضور أن المترجم المسرحي يختلف عن باقي المترجمين لأنه الوحيد الذي يجعل النص قابلاً للأداء، وهذا يعطيه حق التصرف عندما يكون هناك ضرورة لذلك.

السؤال التالي للأستاذ جوان هو: هل التعريب يختلف عن الترجمة، وما الفرق بينهما؟

أجاب خضور: بعضهم يستخدم اللفظين مترادفين، التعريب كمفردة موجود في لغتنا العربية منذ العهد العباسي، التعريب كالترجمة يعني أن يتصرف المترجم بالنص الذي يترجمه وهذا محدود.

ثم سأل الأستاذ جوان حول مسألتين – الترجمة الحرفية – والترجمة لروح النص.

أجابت آنا عكاش: إنها إحدى الصعوبات التي تواجه المترجم أثناء عملية الترجمة، لكن يجب أن يكون هناك توازن بين الترجمة الحرفية والترجمة لروح النص، لأن الترجمة الحرفية قد تبقي المعنى غامضاً لذلك يجب على المترجم أن يلتقط الروح الموجودة في النص، أما الحفار فرأى أنه في عملية الترجمة الأدبية وخاصة الترجمة للمسرح. ما يهم هو إيصال المعنى المراد قوله من الجملة، وكيف يجب أن تقال بالعربية لتكون سهلة اللفظ للممثل، فإذا استطاع المترجم أن يحقق هذين الشرطين معاً، فهذا جيد أما التقيد بالترجمة الحرفية فليس جيداً.

العدد 1105 - 01/5/2024