الحرب السعودية المفتوحة على اللبنانيين.. إلى أين؟!

 بات الجميع يدركون أن السعودية فشلت في الحروب التي شنتها ضد سورية والعراق واليمن، مع أنها بددت مليارات الدولارات التي استثمرتها من أجل أن تخلق مناطق نفوذ وأنظمة حكم تابعة لها في المنطقة، الأمر الذي أوجد لدى ملوكها وأمرائها حالة عميقة من الحقد الأسود والإحباط السياسي.

فشلت أولاً في محاولاتها بالتنسيق مع إسرائيل لمنع توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وفي منع تصنيف عميلتها وربيبتها (جبهة النصرة) منظمة غير إرهابية، كما أنها عجزت عن تحقيق أي نصر في اليمن، إلا انتصارات فضائية عبر قنواتها المتصهينة، وفي العراق تفككت جماعة الصحوات والعشائر التي راهنت عليها.

في ظل تراكمات فشلها، وفي ظل حقدها الدفين على كل ما اسمه (مقاومة لإسرائيل)، فهي تصوّب الآن بنادقها باتجاه حزب الله، لعلها تنجح في تركيعه، علماً بأنها تعرف في قرارة نفسها أن إسرائيل نفسها بترسانتها العسكرية الكبيرة والحديثة لم تستطع أن تنال منه، بل انهزمت أمامه باعتراف مسؤولين عسكريين وسياسيين كبار إسرائيليين وأمريكيين، خاصة أن هزيمتها أمام حزب الله عام 2006 أسقطت أيضاً مشروع (الشرق الأوسط الكبير) الذي بشرت به كونداليزا رايس آنذاك.

لاشك بأن الرياض كانت سعيدة بإدراج حزب الله على لائحة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة، واستخدمت ماكيناتها الإعلامية وأموالها لشيطنة حزب الله وفرض حصار سياسي ومالي عليه وتكفيره قيادة وأعضاء.

لقد أدركت السعودية وأسيادها في واشنطن وتل أبيب أن فشل حربها على سورية سيقود حتماً إلى فشل رهاناتها على تحويل لبنان إلى تابع مباشر لها عبر تيار المستقبل وعملائها الآخرين، بعد أن أيقنت أن هذا التيار وعملاءها الآخرين غير قادرين على الوفاء بتعهداتهم تجاه الأسرة السعودية، رغم ما أغدقت عليهم من أموال من خزينتها، إذ لم يقدموا لها إلا الوعود الفارغة، وبعد أن توصلت إلى قناعة بان انتصار سورية في حربها على الإرهاب سيشكل انتصاراً للبنان في الوقت نفسه، وبالتالي هذا ما يضيف رقماً جديداً إلى لائحة خساراتها التي أشرنا إليها في بداية الحديث.

لاشك بأن الانتقادات التي تعرضت لها السعودية من قبل اللبنانيين، وقيام سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية بدعم ترشيح عون للرئاسة، جعلاها تفقد صوابها وتلجأ إلى مقولات مسؤولين أمريكيين كبار (من ليس معنا فهو ضدنا)، إلى جانب أن الحرب ضد حزب الله هي هدف متفق عليه بين أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الخليجية، من منطلق أن هذا الحزب يشكل الخطر الأول على إسرائيل، لذلك فالحرب عليه لها الأولوية في جداول أعمالهم.

كذلك سقط رهان السعودية على الجماعات التي تحارب إلى جانب النصرة لتوتير الأجواء اللبنانية من خلال افتعال المشاكل والمعارك الطائفية والمذهبية.

إذاً، يبدو أن الملك سلمان اتخذ قراره بجر لبنان إلى ساحات الاشتباك والاضطراب المذهبي والطائفي، ذلك أن تدمير لبنان لا يعني له شيئاً بعد أن دمر سورية والعراق واليمن ومن قبلهم ليبيا بماله النفطي، لهذا كانت حربه المفتوحة على اللبنانيين عبر:

1- وقف الهبة للجيش اللبناني وللقوى الأمنية اللبنانية اللذين يحاربان الإرهاب المدعوم من قبل الأسرة السعودية المالكة.

2- ثم التهديد بطرد اللبنانيين من السعودية وبعض دول الخليج الأخرى، ما يحرم اللبنانيين من مئات ملايين الدولارات التي تحوّل إليهم من أبنائهم العاملين هناك.

3- تخفيض حجم الأموال السعودية في البنوك والمصارف اللبنانية، والتي تشكل العصب الأساسي في الاقتصاد اللبناني.

4- منع المواطنين السعوديين من السفر إلى لبنان، والطلب من الموجودين منهم في لبنان مغادرتها فوراً.

5- قطع التمويل عن وسائل الإعلام اللبنانية الممولة سعودياً إن لم تضاعف حملاتها العدائية ضد حزب الله وحلفائه داخل لبنان وخارجه.

إنها حرب إفلاس سعودية، وحرب اقتصادية ضد لبنان، ومحاولة تجويع لـ(اللبنانيين) خاصة بعد أن أفلست من حلفائها في لبنان من شاكلة سعد الحريري وغيره ممن يتقاضون رواتبهم من خزينة آل سعود.

نعم، إنها أشبه ما تكون بمعركة (كسر عظم)، فإما أن يكون لبنان خاضعاً لها بشكل مطلق، وإما أن يدمّر!

ومن المعيب توسلات سعد الحريري وجعجع وجنبلاط، وتوقيع العرائض والتصريحات والزيارات التي يقومون بها للسفارة السعودية في لبنان، من أجل أن يعود الملك سلمان عن قراراته، لدرجة وصلت إلى القول على ألسنة هؤلاء وفي عرائضهم (ارحمنا نحن تلاميذك المطيعون)، و(اغفر لنا وسامحنا)، فهل هناك أكثر من هذه المذلة؟!

ولم تكتف السعودية بكل قراراتها السابقة ضد اللبنانيين، بل جنّدت أتباعها في البحرين والإمارات والكويت وقطر لمنع رعاياهم من السفر إلى لبنان.

باختصار.. هي حرب سعودية هدفها إخضاع لبنان بالكامل لأوامرها لكي يصبح محمية سعودية محضة تمتلك فيها الأسرة السعودية مسألة الحل والربط، ابتداء من الرئيس إلى عامل النظافة، وبحيث يخلو لبنان من أية قوى وطنية أو قومية، ولا يكون فيه تأثير لحزب الله أو التيار الوطني الحر وغيرهما.. ولكن من المؤكد وحسب المعطيات القائمة والمتوقعة، فإن التأثير السعودية في لبنان هو في طريقه إلى الزوال.

العدد 1107 - 22/5/2024