حكام السعودية إلى أين؟

قرار مجلس الجامعة العربية، الذي اعتبر حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، أكد من جديد تهافت النظام العربي، منذ راحت السعودية تقوده. وغني عن القول أن القرار لن ينال قيد أنملة من مصداقية حزب الله، كقوة فاعلة في التصدي لمشاريع الإمبريالية والصهيونية في المنطقة؛ هذه المصداقية عبّر عنها التضامن الشعبي العربي الواسع مع حزب الله، واستنكاراً لهذا القرار المشبوه.

وإذا كان القرار خطوة نوعية نحو تعزيز التحالف السعودي- الإسرائيلي والخروج به، أخيراً، إلى العلن، فإن توقيته ليس مصادفة، بل إنه يبدو نوعاً من التجاوب السريع مع ما كان أعلنه رئيس الأركان الإسرائيلي، غادي آيزنكوف، قبل ذلك بأيام فقط، من اعتباره حزب الله العدو الرئيسي لإسرائيل في المنطقة؛ كما يمكن اعتبار هذا القرار ثمرة للزيارات الكثيفة المتبادلة مؤخراً، لمسؤولين من الطرفين، كانت القناة الإسرائيلية العاشرة قد كشفت، يوم 27/2/2016 عن إحداها وهي زيارة للرياض، قبل ذلك بأسابيع، قام بها وفد رسمي إسرائيلي (برئاسة شخصية رفيعة)، ضمن سلسلة زيارات مماثلة للمملكة وللخليج في الفترة الأخيرة، (لبحث التطورات الإقليمية والتنسيق لمواجهة الأخطار المشتركة)، كما جاء في نشرة تلك القناة الإسرائيلية!

في الوقت ذاته، جاء هذا القرار ليؤكد إصرار حكام السعودية، ليس فقط على مواصلة النشاط التخريبي، على نطاق الساحة العربية،الذي كرّسوا له كل طاقاتهم وقدراتهم، خلال السنوات الخمس الأخيرة على وجه الخصوص، بل والتصميم على تصعيده بالتعاون والتنسيق المكشوف، هذه المرة، مع الإسرائيليين. بمعنى آخر: هزائمهم المتلاحقة على الساحات السورية والعراقية واليمنية واللبنانية، بدل أن تردعهم وتدفعهم لمراجعة سياساتهم المدمرة والفاشلة، زادتهم عنتاً وعناداً في الاندفاع على الطريق الفاشل نفسه.

أما الترجمة العملية لكل هذه النشاطات، في مجال تعزيز التحالف الإسرائيلي – السعودي، المتسارعة هذه الأيام، فلا تستثني إمكانية القيام بعدوان مشترك قد يبدأ بلبنان. وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية، بتاريخ 5/3/2016 مقالة بقلم (ألون بن دافيد) تحت المانشيت التالي:(الجيش الإسرائيلي يعدّ لحرب عنيدة وأليمة ضد حزب الله). فهل سيكون الدور السعودي في هذا العدوان، إن وقع، خلق المناخ الذي يجنّب هذا العدوان مصير العدوان الإسرائيلي ،2006 وذلك بخلق حالة من الفوضى والاضطراب، في الداخل اللبناني، تفتعلها العناصر الموالية والمأجورة للسعودية هناك؟

ويشق التحالف الإسرائيلي -السعودي طريقه إلى العلن تتويجاً لدعوات لصالح هذا التحالف توالت من الطرفين في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص. في هذا الصدد يقول البروفسور أفرايم عينبار، مدير معهد بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية، في ورقة له بعنوان (فوضى الشرق الأوسط وأمن إسرائيل)، المنشورة في 13/4/2015:

(إن الدول السنية الموالية للغرب، مثل مصر والأردن والعربية السعودية، ترى في إسرائيل حليفاً مركزياً ضد إيران الصاعدة والإسلام المتطرف.. في وقت تتراجع فيه نظرتها إلى الولايات المتحدة كحليف يمكن الاعتماد عليه تماماً)؛

بينما يقول شبيتاي شافيت، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في مقابلة مع (يو إس راديو)، نقلته صحيفة الجيروزالم بوست الإسرائيلية بتاريخ 19/7/2015:

(إن إسرائيل باتت أكثر تحمساً تجاه تبني قضية مشتركة مع الدول العربية السنية في منطقة الشرق الأوسط التي أصابها التوتر والقلق إثر انفتاح الغرب على خصمها المشترك إيران، وتوصل الدول الست الكبرى إلى اتفاق نووي مع إيران)، وأضاف: (لدينا فرصة فريدة لبذل الجهود ومحاولة تشكيل تحالف يضم الدول العربية المعتدلة تتزعمه السعودية و إسرائيل، بغرض مواجهة القدرات النووية المحتملة لإيران في المستقبل، ولوضع نظام جديد في الشرق الأوسط).

أما مؤتمر هرتسيليا، الذي تعتبر مؤتمراته السنوية أكثر المؤسسات لإسرائيلية تأثيراً في صناعة سياسة الدولة، فقد جاء في أحد توصيات مؤتمره الثالث عشر، الذي انعقد في 11/3/2013 ما يلي:(ضرورة تكريس الصراع السني – الشيعي من خلال السعي إلى تشكيل محور سني من دول المنطقة، أساسه دول الخليج ومصر وتركيا والأردن، حليفاً لإسرائيل والولايات المتحدة، ضد محور الشر الذي تقوده إيران ويضم سورية وحزب الله).

والمفارقة أن تتزامن هذه الخطوات من التقارب والتحالف بين السعودية وإسرائيل، في وقت تصعّد فيه الأخيرة جرائمها ضد الشعب الفلسطيني من إعدامات لشبابه وشاباته وحتى أطفاله، يومياً، وفي الشارع العام، جنباً إلى جنب مع التصعيد في مصادرة الأرض وبناء المزيد من المستوطنات الصهيونية فوقها، وتفاقم الاعتداءات على الأماكن المقدسة، وبضمنها التهديد الفعلي لوجود المسجد الأقصى.

لكن تاريخ حكام السعودية العام يبرهن عداءهم المتجذر لحركة التحرر العربية، واستعدادهم للتفريط بفلسطين ومقدساتها، منذ وثيقة عبد العزيز آل سعود في الثلاثينيات من القرن الماضي، والتي يعلن فيها: (أقر وأعترف ألف مرة للسيد برسي كوكس، مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود..)، إلى احتفال آل سعود بهزيمة مصر عبد الناصر في حرب حزيران ،1967 على يد الجيش الإسرائيلي، إلى تحميلهم علناً حزب الله مسؤولية العدوان الإسرائيلي على لبنان، عام ،2006 إلى انغماسهم، اليوم، بكل ما فيهم من قوة، في عملية تدمير البلدان العربية وتشتيت شعوبها، بالتعاون مع الإمبرياليين وحكام إسرائيل وعصابات الإرهاب.

وعلى أي حال، إذا ما غامر التحالف الإسرائيلي – السعودي بشن عدوان على لبنان أو غيره، فمن المتوقع أن لا تقتصر النتيجة على مجرد الفشل، كما كان الحال عام ،2006 وإنما الفشل المصحوب بهزيمة، سيكون ثمنها باهظاً على المعتدين. مأخوذاً في الحسبان ليس فقط التطور النوعي في قدرات المقاومة اللبنانية وحلفائها، وتحسّن ميزان القوى في الداخل اللبناني لصالحها؛ وإنما المتغيرات العاصفة في المنطقة في الآونة الأخيرة وتداعياتها على الساحة الدولية. فالولايات المتحدة، اليوم،غير مؤهلة لدعم مثل هذا العدوان كما فعلت عام 2006. وهذا هو مصدر انتقادات الإسرائيليين والسعوديين وخيبات أملهم من واشنطن.

أما الزيارة المفاجئة لرئيس وزراء تركيا، أوغلو، إلى طهران هذه الأيام، فهي توحي بأن نظام أردوغان أصبح غير قادر على مواجهة الأزمات، الداخلية والخارجية، السياسية والاقتصادية، التي جرّها على بلده بانغماسه في المؤامرات على شعوب المنطقة، واحتمال تحوّله نحو إحداث تغيير على مساره الحالي نحو غيره، يخرجه من هذا المأزق.

أما فيما يتعلق بساحتنا الفلسطينية، في ضوء هذا التطور النوعي في العلاقات الإسرائيلية – السعودية، في وقت يصعّد فيه المحتلون الإسرائيليون جرائمهم ضد شعبنا الفلسطيني، فهل يجوز بقاء الشعار الذي رفعته وترفعه القيادة الفلسطينية، بمناسبة ودون مناسبة:(نحن مع السعودية!) على قاعدة (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، أم ينبغي تنكيسه؟ وإذا كانت السعودية تتزعم، اليوم، عملية تقسيم العالم العربي إلى محاور متصارعة، لصالح أعداء الشعوب العربية، وتتزعم المحور الذي يندفع للتحالف مع إسرائيل والولايات المتحدة ضد شعوب المنطقة، فأين المكان الطبيعي والمنطقي للشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي؟! وإذا كانت القيادة الفلسطينية لاعتبارات خاصة بها وليس بالقضية الوطنية الفلسطينية، تحجم عن الانتظام في المكان الطبيعي لشعبنا الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي، فلا أقل من العودة إلى المبدأ الذي أرسته، منذ البدء، منظمة التحرير بالابتعاد عن المحاور حفاظاً على استقلالية الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا أضعف الإيمان، كما يقال.

العدد 1105 - 01/5/2024