سقوط المعادلات الإسرائيلية على الأرض السورية

التصعيد الأخير من قبل إسرائيل، بإيعاز من الولايات المتحدة، يأتي في إطار المخطط العدواني ضد سورية، ذلك أن أطراف العدوان استخدموا كل أدواتهم الإرهابية لإضعاف الدولة السورية، إلا أن سورية تعاملت بحكمة وذكاء وحزم مع هذه الأدوات، فاستوعبتها وأضعفتها وأظهرتها على حقيقتها، ولهذا دخل المعتدي الإسرائيلي على الخط، والجيش السوري أيضاً استوعب الهجمات الحيوية والصاروخية الإسرائيلية وأبطل مفاعيلها.

إسرائيل بعد سقوط معادلتها (التفوق الجوي) لجأت إلى التعويض عن ذلك بمعادلة (أرض- أرض) لإحداث خسائر كبيرة، إلا أن الصواريخ السورية كانت لها بالمرصاد، فأسقطت أكثر من نصفها وغيّرت مسار البعض منها بعيداً عن الهدف، وبالتالي أثبتت الدفاعات الجوية السورية جهوزيتها العالية والنوعية للرد على العدوان وحماية الوطن. وقد بات من الواضح أن هذه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة تهدف إلى دعم الإرهاب، إلا أنها محاولات عقيمة كما وصفها بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية.

إن الولايات المتحدة ترى أن جبهة الجولان تشكل خطراً على ما تسميه الأمن القومي الإسرائيلي، ولهذا توالت الاعتداءات على هذه الجبهة لتصبح بمعدل عدوان كل يومين أو ثلاثة، ولما كان من حق سورية الرد، شن الجيش السوري أعنف هجوم على إسرائيل منذ عام 1974 كما وصفه العديد من الخبراء العسكريين، ولم تستطع (القبة الحديدية) أن تمنع هذه الصواريخ السورية من الوصول إلى أهدافها، بمعنى أنها وقفت عاجزة عن ذلك، وبالتالي أصابت هذه الصواريخ أربعة مجمعات عسكرية في هضبة الجولان المحتلة، منها مركز عسكري ضخم ومتطور جداً لعمليات التشويش، ومقر للوحدات الخاصة، وآخر للقيادة العسكرية للواء 810. وعلى إثر ذلك، لجأت سلطات الاحتلال إلى فتح الملاجئ وإطلاق صفارات الإنذار، وهذا يعني الشيء الكثير، يعني أن هلعاً حقيقياً أصاب قادة إسرائيل، فراحوا يطلقون التصريحات المطالبة بالتهدئة، علماً بأن الصواريخ السورية التي استخدمت في هذا الهجوم ليست على درجة عالية من الفعالية، بل تتوفر منها أنواع أشد فعالية لم تستعمل بعد.

هذا مع أن الاحتمالات كلها واردة لتطور هذه المواجهات إلى حرب أوسع في ضوء وجود إدارة أمريكية مثل إدارة ترامب، وهي الإدارة الأكثر تسلطاً ومغامرة، إلا أنه من المرجع ألا يحصل ذلك، بل أن يستمر التصعيد الإسرائيلي المحدود في محاولات لمنع الجيش السوري من الحسم في الشمال السوري، بعد أن أنجز هذا الحسم حول العاصمة دمشق وفي ريفها، وقد تكون المواجهات أكثر شراسة من أجل فرض قواعد جديدة في المنطقة من دون الوصول إلى حرب مفتوحة، لأن الدولة العميقة في الولايات المتحدة تعارض ذلك لعدة اعتبارات معروفة.

لقد تجاهلت إسرائيل أن قواعد الاشتباك قد تغيرت، بحيث لم تعد السماء السورية مفتوحة لعربدة طائراتها وأصوات صواريخها، ولهذا فوجئت بالصواريخ السورية على هضبة الجولان، فعمدت إلى التكتم على خسائرها أولاً، بعد أن أصابت هذه الصواريخ أهدافها بدقة، ثم راحت من جهة أخرى تدعي بأن الهجوم الصاروخي عليها كان إيرانياً وبقيادة الجنرال قاسم سليماني، علماً بأنه ليس موجوداً في سورية، وأن الهجوم كان قراراً سورياً محضاً وبأيادي جنود سوريين. طبعاً مثل هذا الادعاء الهدف منه التقليل من قدرة الجيش السوري وفاعليته من جهة، ثم (شيطنة) إيران من جهة أخرى وتغيير النظام فيها، بدليل ما جاء في تقرير إسرائيلي يقول بما معناه (إن الهجوم على هضبة الجولان هو أول هجوم رسمي إيراني ضد إسرائيل، وهذا تحول خطير بكل معنى الكلمة، ونحن بحاجة إلى دعم أمريكا).

ختاماً، لابد من القول إن سورية يحق لها أن تنسق وتتحالف مع أصدقائها في روسيا وإيران، ومع أشقائها في المقاومة الوطنية اللبنانية، لأنها مستهدفة من تحالف دولي يضم نحو مئة دولة تحت اسم محاربة الإرهاب، بينما هو في الحقيقة تحالف لدعم الإرهاب في سورية واستهداف محور المقاومة في المنطقة، وكذلك استهداف روسيا ومنعها من أن تأخذ الدور الذي تستحقه على الصعيد الدولي، علماً بأن هذا الدور يصب في خدمة مصالح الدول والشعوب الصغيرة، وفي تحقيق الاستقرار في العالم والحد من الهيمنة الأمريكية، بل التسلط الأمريكي وخلق بؤر التوتر هنا وهناك.

العدد 1107 - 22/5/2024