ذكريات يعتصرها الألم… بروتوكول 22 نيسان 1966

 تمر الذكرى الخمسون على توقيع بروتوكول 22نيسان1966 بين حكومة الجمهورية العربية السورية، وحكومة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، لتصميم وبناء مجموعة من المشاريع الاقتصادية في سورية، أبرزها: (سد الفرات).

ساقت رياح الأقدار منذ أواسط عام 1966 العديد من أبناء الوطن إلى موقع قرية الطبقة، التي أصبحت، مع تطور العمل في بنائها، مدينة الثورة. بدأ تشكيل نواة العمل مع تكليف المهندس إبراهيم فرهود مديراً عاماً للمؤسسة العامة لسد الفرات، وإحداث الهيئة العليا لمشروع الفرات، وتوافد طلائع كوادر المهندسين الطبوغرافيين والجيولوجيين وطواقم الحفارات التي شُحنت إلى مركز الطبقة لتحرّي موقع السد واختيار محوره، ودراسة مواقع مختلف مكونات المشروع.

حدثت نكسة حزيران عام،1967 فعصف الألم بوجدان الشعب السوري، مما ولد طاقة إيجابية لمواجهة التحدي لدى العاملين الذين كان عددهم يتزايد يوماً بعد يوم حتى وصل إلى قرابة عشرة آلاف عامل خلال فترة ذروة العمل التي توّجتها الطبقة العاملة بإغلاق مجرى نهر الفرات وتحويل مجراه في الخامس من تموز،1973 وبوجود ما يقرب من ألف خبير سوفييتي ساهموا ليلاً ونهاراً في تقديم خبراتهم ومعارفهم ونقل مهاراتهم إلى الطبقة العاملة السورية بكل غيرية ونبل ونزاهة واقتدار وكفاءة.

واليوم بعد خمسين عاماً مضت، ماذا عنى البروتوكول؟ وماذا تحقق منه؟ وماذا بعد ؟

كانت هزيمة حزيران تحدياً حقيقياً أمام الحكومة السورية من أجل الاستمرار في بناء السد باعتباره طموحاً وطنياً اقتصادياً وأمناً مائياً واجتماعياً مشروعاً، وقد نجحت في التحدي ومعها بناة السد الأشاوس.

حقق التعاون مع الجانب السوفييتي آنذاك تكوين كادر هندسي وفنّي سوري صقلته منظومة العمل محكمة الترابط في المشروع، وتكونت نواة صلبة متمرسة من مختلف مهن الإنشاء والتعمير، انتشرت أثناء بناء المشروع وبعد انتهاء العمل فيه، على مختلف مشاريع سورية، وشغل الكثير من كوادر المشروع العديد من مفاصل العمل في الدولة، فأظهروا تميزاً وتفوقاً بحكم التجربة التي عاشوها في مشروع سد الفرات.

أرسى سد الفرات ركيزة أساسية لتحقيق متطلبات الأمن المائي السوري، ووفر خزاناً مائياً بسعة 14 مليار متر مكعب من المياه، لمدّ شرايين مشاريع استصلاح الأراضي بالمياه ولضمان سقايات الفلاحين لأراضيهم البكر المستصلحة، وتأمين إنتاج المحاصيل الاستراتيجية لأمن الوطن. أرسى المشروع لنهضة اجتماعية شملت المجتمع السوري بأكمله، تراكمت فيه تدريجياً قيم العمل ومتطلبات نجاحه وارتقائه.

أصبحت مدينة الثورة التي نشأت مع السد وتطورت سكانياً، وبلغ مجموع القاطنين فيها قرابة مئة ألف نسمة، أصبحت فسيفساء جميلة للمخزون الثقافي وتلوينات مكونات الشعب السوري، وتعبيراً رائعاً عن القيم الوطنية العليا في العمل المشترك لجميع قاطنيها، وصارت المدينة النموذج التي يجري التباهي بنظافتها وبالخدمات المقدمة فيها، وبمنشآتها الاجتماعية والثقافية والرياضية، وبمختلف النشاطات والفعاليات التي تقام فيها.

ساهم ذلك المجتمع السوري المتكون حديثاً بأعمال المحافظة على البيئة والحفاظ على المحميات الطبيعية، وشكل طوعياً عادات رفيعة المستوى للحفاظ على بيئة البحيرة والنهر من التلوث. أمدّت المحطة الكهرمائية سورية، في أحلك الأوقات، بالطاقة الكهربائية النظيفة، من عنفات المحطة البالغة طاقتها 800 ميغا وات.

كان ومازال وسيستمر الوفاء للعلاقات النبيلة السامية التي نشأت في نفوس العاملين السوريين ونظرائهم السوفييت الذين قدموا من مختلف جمهوريات الاتحاد السوفييتي لمد يد العون ونقل أرقى ما توصل إليه العلم السوفييتي آنذاك إلى الجانب السوري، معارف وخبرات ومهارات وعادات وتقاليد عمل وبناء صداقات مستمرة مع العديد منهم حتى اليوم.

في الذكرى الخمسين لبروتوكول نيسان 1966 لابد من تحية قادة العمل السوري والسوفييتي الذين أداروا متطلبات تنفيذ البروتوكول، وأوصلوا المشروع إلى حيز الوجود وفق متطلبات التصميم وبالجودة الفنية الرفيعة التي أُنجز بها، وضمن الزمن المخطط للمشروع ووفق بنود كشفه التقديري، علماً بأن المشروع نفّذ بالأمانة، وكان ذلك إنجازاً لنزاهة العمل ورجالات المشروع.

الرحمة لأرواح المديرين العامين للمؤسسة المهندسين إبراهيم فرهود وصبحي كحالة، ولكل من ارتحم من كوادر الفرات وعماله سوفييتاً وعرباً، وتحية لكبير الخبراء السوفييت ستيبانوف وفريق عمله الرائع.

الأمل وثيق بزوال الكابوس الذي ترزح تحته كل من منشأة سد الفرات ومدينة الطبقة، هذا الكابوس زائلٌ،زائل، زائل مع هزيمة الإرهاب والظلامية والانحطاط، وستعود الفرحة لبناة سد الفرات بانتصار الشعب السوري القادم لامحالة.

العدد 1107 - 22/5/2024