بنية القصيدة الشعرية..تجليات الصيرورة الشعرية والأفق الدلالي عند فايز خضور

 لحضور تجارب بعينها، شكلت علامات فارقة في المشهد الشعري السوري، محايثة نقدية ومنهجية، إذ يقوم درسها في وظائفه الفكرية والجمالية واللغوية، على جلاء خصوصية هذه الأصوات وكفاءة أدائها الإبداعي، فضلاً عن أن النقد في مقاربته وقراءته الفاحصة للأنساق المعرفية للشعر سيتقصى غير جانب يفيد الرؤيا ويخلص منها في خطابه، الذي يعاين البنى الفنية إلى نتائج يرتقي بها الدرس النقدي. وفي هذا السياق جاءت دراسة د. جمال أبو سمرة، حول بنية القصيدة الشعرية عند الشاعر السوري فايز خضور، انطلاقاً من فرضية (أن كل قصيدة شعرية تمثل بنية فنية متماسكة لمجموعة من البنى التي تتفاعل فيما بينها تفاعلاً عضوياً، لتشكل كلاً موحداً… وبذلك فإن البنية الفنية هي نتيجة تفاعل الشكل مع المضمون).

فما تتقصده الدراسة هنا هو رصد بنية القصيدة لدى الشاعر خضور، والولوج إلى أسسها وعناصر تكوينها، لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسة، التي تشكل لدى الناقد مقتربات معرفية، سنجد تجلياتها في البحث عن المكونات الدلالية للغة الشعرية كما الصور والرموز الفنية والتراثية، وإيقاع القصائد، وأنماط بناء القصيدة، وتعرف الرؤيا التي انطلق منها الشاعر. ولعل القارئ سيجد أن الشغل النقدي في السياقات والصور وتضافره في بنية القصيدة الشعرية عند الشاعر محايث للخطاب الإبداعي بغية استغواره والوقوف عند أسلوبيته، لا سيما أن الشاعر خضور مازال يمثل علامة فارقة داخل الحقل الشعري السوري، أي باشتباك مرجعياته القرائية وإنتاجه لخطاب الرؤيا الذي تتبعه الناقد د. جمال أبو سمرة.  هي إذاً رحلة معرفية ذات خصوصية أسلوبية، بطابعها الأكاديمي الأكثر انفتاحاً على الدلالات الثقافية عبر النص، وبتكامل الأدوات الإجرائية التي امتلكها الناقد، سندلف إلى ما تعنيه البنية ومنظوماتها الإشارية بتجليات تطبيقية مازال الدرس النقدي يقاربها لينتج (داله الفاخر)، كما ذهب إلى ذلك التعبير رولاند بارت أحد أكبر أساطين النقد الأدبي في فرنسا.

ولعلنا بتتبع منهجية الباحث وهو في حقيقته منهج تفاعلي-تكاملي قام على غير منهج مستثمر في سياق الدراسة اللافتة، وعبر مكونين نقديين بامتياز هما (الدلالة والرؤيا)، لا سيما في وقوفه عند مصطلح الإيقاع وتعدد مناحي دلالته في (التكرار المتسق أو غير المتسق أو مركز قوة، لمعنى أو حركة، وهو أحد أنواع الوحدة، لأنه تركيز على حركة أو نغم، أو لفظ معين يظهر في تناوب الحركة والسكون) وهكذا… وما يلفت إليه الباحث هنا في -هذه الجزئية- أن (وظيفة الإيقاع في النص الشعري ليست مقتصرة على التنغيم، ففي الإيقاع يكمن المضمون الضمني الذي يحمل النفس إلى فضاء الشعر، وهو أحد مكونات الشاعرية التي يتم بوساطته التأثر والتأثير، والتلاقح بين الدال والمدلول)، وعليه يستنتج الباحث أن البنية الإيقاعية تخضع لجدلية أساسية هي التي تمنحها خصائصها وتحكم تطوراتها وتغيراتها والتحولات التي تخضع لها، وهي إحالة إلى ما قاله الناقد كمال أبو ديب في كتاب (جدلية الخفاء والتجلي).

تتعدد ثيمات الدراسة لتقارب غير أفق معرفي يقارب جملة من السمات والحوامل الدالة في منجز الشاعر فايز خضور، ومنها على الأقل البناء الدرامي الذي لاحظ الباحث بقصائد بعينها وجود منحى درامي بنسبة كبيرة توافرت لها مقومات هذا البناء، أو بعض منها كوقوفه على قصيدة (حصار الجهات العشر)، وبسردها في مقطعها المعنون بـ (الحلم الخامس عشر) مجريات حكاية واقعية شخصية يمنحها أبعاداً موضوعية، فيسلسل للمتلقي أحداثها ويعبر له منذ اللحظة الأولى عما يجول في خاطره، ويشكل به المدخل إلى حكايته فيقول: (حدسي يبهرني لأنهض من مكاني/ وصهيل مشتهيات هذا العمر/ ينذر بالخطر).

إذاً، ثمة انفتاح عما تعنيه تجربة الشاعر خضور في معيار النقد، وصولاً إلى منظومة من القيم التي دارت في فلكها، فضلاً عما يعنيه التجريب على سعته المعرفية في خطاب خضور الشعري، فما يستخلصه الناقد د. جمال أبو سمرة، في دراسته التحليلية هو أكثر من وقوف عند (فهم الآليات والبنى الفكرية للشاعر، والخلفيات التي تقف وراء إبداعه، وتساعد على تتبع مستوى التطور في تجربته الفنية)، وما نقصده هنا بأكثر أي أبعد من تحقيب في التجربة، ووقوفاً عند المكونات البلاغية للصورة الشعرية، ووصلاً إلى أن (الإيديولوجيا) التي آمن بها الشاعر فايز خضور في إبداعه، حملته إلى الالتزام بقضايا مجتمعه، لكن دون أن يسقط الشرط الفني للقصيدة، وتجليات ذلك في الاختيار المنهجي المنظم الذي عملت عليه دراسة الناقد د. جمال أبو سمرة، بسر التميز المدهش للوعي الشعري عبر تحرير نقدي للمعنى والتجربة والسياق الذي يفيد منه درس الشعر وتقنياته المدهشة، على مستوى الإضافة إلى المنجز، والمشهد بآن معاً.

***********************

 بنية القصيدة عند فايز خضور

 منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب

 وزارة الثقافة ــ دمشق 2012

 

العدد 1105 - 01/5/2024