بريطانيا في دوامة «الاستفتاء»

قبيل الاستفتاء في بريطانيا على بقائها في الاتحاد الأوربي، تصدُر كتب عديدة لشرح هذا الأمر تفصيلياً لعامة الناس، كي يكونوا على بيّنة من هذه المسألة المصيرية. وقد شغلت العقدة تلك حزبَي بريطانيا الكبيرين: العمال والمحافظين. ورفضت حكومة المحافظين في عام 1950 الدخول في اتحاد الفحم والفولاذ الأوربي. وكانت حكومة حزب (العمال) هي التي قررت في عام 1973 دخول الاتحاد الأوربي، بعدما ربحت استفتاءً جرى حول ذلك. ومنذ ذلك الوقت والجدل حول الموضوع لا يهدأ.

قبل إبداء رغبته بإجراء استفتاء حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوربي، في منتصف عام ،2012 طلب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إجراء دراسة شاملة حول الموضوع. وقد كُتب من أجل ذلك 12 مجلداً في 3000 صفحة. وبعد نشر تلك الوثائق، لم تُبدِ الحكومة أي رأي حولها. وقد قام مايكل أمرسون، وهو باحث في (مركز الدراسات الأوربية)، بتحليل تلك الكتابات، ووضع نتائج وخلاصات لها. ويظهر من دراسته أن موازين البقاء أو عدمه متعادلان في الأهمية.

وفي حين أن قضايا الدفاع والضرائب والضمانات الصحية والتربوية تخص الحكومات الوطنية، فإن سياسات التسويق والمنافسة التجارية وحماية البيئة هي قضايا أوربية، بينما يدور الخلاف حول قوانين الضمانات الاجتماعية. ومعلوم أن بريطانيا لم تنضم إلى عملة (اليورو). كما أنها ليست عضواً في (معاهدة شنغن) حول الحدود المفتوحة في أوربا. ولها سياستها الخاصة للأحوال الشخصية وكيفية التعاطي مع الخارجين على القانون.

يمكن استكمال هذا التحليل بإضافة التاريخ السياسي لبريطانيا مع الاتحاد الأوربي. وهذا ما فعله دنيس ماك شاين، العضو السابق في البرلمان عن حزب (العمال)، الذي يؤرخ للمعضلة منذ عهد ونستون تشرشل حتى حكم ديفيد كاميرون الحالي. لقد بدأ الأمر في عام 1946 عندما ألقى تشرشل خطاباً في مدينة زيوريخ السويسرية، دعا فيه إلى إقامة (الولايات الأوربية).

كما أن مارغريت تاتشر كانت حاضرة عندما خاطب جاك ديلور، رئيس المفوضية الأوربية، نقابات اتحاد العمال البريطانيين. لكن المؤلف يتحسر على فشل طوني بلير في توسيع نشاطات الاتحاد الأوربي في بريطانيا.

ما يمكن استخلاصه من تلك الكتابات هو شرح تفصيلي لأوجه المعضلة، من جوانبها كافة، كي يكون الناخب على دراية بذلك، وأن يكون صوته مبرراً له ومقتنعاً به. لكن، كما كان الأمر عليه بالنسبة للاستفتاء حول خروج اسكتلندا من المملكة المتحدة، الذي رُفض لعدم تقديمه خياراً أفضل، فإن المسألة ستتكرر على الأرجح بالنسبة للاتحاد الأوربي.

إن دخول بريطانيا إلى أسواق أوربا الواسعة، يتطلب منها القبول بالقوانين والإجراءات الأوربية كافة. وهذا يبرر للواقعيين من الناخبين أمر البقاء. لقد تطوّر الاتحاد الأوربي خلال السنوات الأربعين الماضية من نادٍ مغلق للحكومات التي تتبنى الإجراءات الحمائية والحدود المنفصلة، إلى منظمة تجارة حرة، الأمر الذي تفضّله بريطانيا. وقد كان الأمر أشد سوءاً في عهد مارغريت تاتشر في عام 1975. ومع ذلك بقيت بريطانيا في الاتحاد. وهذا مرشح لأن يتكرر اليوم.

سمير التنّير

عن(السفير)

العدد 1107 - 22/5/2024