كي لا ننسى..علاء الدين الرفاعي…مناضل إنساني عشق العدالة

 علاء الدين الرفاعي، ابن إحدى العائلات الكبيرة في حمص، ولد في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، ومنذ نعومة أظفاره انخرط في الحركة الوطنية، وانضم وهو يافع جداً إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري، ولم يكن يتجاوز عمره الـ 15 عاماً. كانت حمص في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات حاضنة للحركة الثقافية والسياسية والفكرية في البلاد، وكانت تصطخب فيها وبصورة مكثفة كل التيارات، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وفي أريافها كانت العلاقات الإقطاعية لاتزال قوية، وتشكل قاعدة اجتماعية لجميع قوى التخلف في البلاد.

يعيش الشيوعي الشاب علاء الرفاعي التقلبات السياسية في البلاد، والانقلابات، ويعتقل، ويزج في سجن تدمر لفترة ستة أشهر، وبعد خروجه من السجن يبرز في عام 1954 مناضلاً لا يكلّ، تعدى نشاطه المدينة وأصبح اسمه معروفاً على نطاق منظمة الحزب في حمص. إن هذا العمل الدؤوب لتوسيع صفوف الحزب في أوساط العمال والفلاحين والشباب، بوّأه مركزاً قيادياً في منظمة حمص، وأصبح فيما بعد عضواً في اللجنة المنطقية في هذه المحافظة، وكادراً أساسياً فيها، وهو ما يزال شاباً بعد.

تأتي الوحدة ويبدأ الهجوم الواسع على الحريات الديمقراطية، وتشن حملة سياسية وقمعية واسعة ضد الحزب الشيوعي السوري، وشملت فيما بعد جميع القوى الوطنية في البلاد، وتتعرض منظمة الحزب في حمص لحملة اعتقالات واسعة، ويزج بالكثير من المناضلين الشيوعيين في هذه المنظمة في سجن المزة.. بيد أن أجهزة عبد الحميد السراج لم تستطع العثور على الشيوعي علاء الرفاعي، الذي انتقل إلى العمل السري، وساهم مساهمة واسعة في قيادة المنظمة وإعادة بنائها بعد أن أصابتها الأضرار نتيجة هذه الحملة القاسية.

وفي شباط من عام 1959 يستشهد الشيوعي سعيد الدروبي تحت التعذيب في أقبية المباحث في حمص، وتسلم جثته إلى أهله، وآثاره بادية على جسده، وتنتشر الأخبار حول هذه الجريمة البشعة التي ارتكبتها الأجهزة المباحثية، وتتوتر الأجواء في حمص، وخصوصاً أن الشهيد هو ابن إحدى العائلات المعروفة فيها. وتقع على عاتق الشيوعي علاء الرفاعي مع آخرين التحضير لعمل جماهيري احتجاجي واسع في المدينة، وينجحون في ذلك وتخرج في المدينة مظاهرة احتجاجية جماهيرية واسعة على هذه الجريمة الوحشية، تقودها منظمة الحزب، وتجد الأجهزة نفسها عاجزة عن القيام بأي شي تجاهها، ولكن، بعد انتهاء المظاهرة، تقوم الأجهزة بحملة اعتقالات واسعة، شملت المئات من الذين شاركوا فيها.. بيد أنهم لم يستطيعوا اعتقال هذا المناضل رغم كل استنفار أجهزة الأمن وتكالبها من أجل أن يقع بين أيديها..

يستمر الشيوعي علاء في عمله السري في حمص، وتتزايد الأخطار حوله، ويرتئي الحزب ضرورة إخراجه خارج الوطن، وينجح في ذلك، وفيما بعد يرسله الحزب إلى المدرسة العليا الحزبية في الاتحاد السوفييتي، ليبقى هناك ثلاث سنوات ويعود بعدها إلى الوطن، ليكلف بمهام تنظيمية مختلفة.

في عام 1965 تعصف بالحركة الشيوعية العالمية أزمة عميقة، لم ينج منها أي حزب، وقد تجلت هذه الأزمة خصوصاً في الخلافات العميقة التي نشأت بين الحزبين الأكبر في العالم. ولقد تأثر الشيوعي علاء بهذه الاختلافات واتخذ موقفاً مؤيداً في البداية للتيار الذي بدا في ذلك الوقت، وكأنه التيار الثوري والمبدأ في الحركة الشيوعية، والمتابع لتقاليد الحركة الشيوعية الكفاحية، إلا أن تطور الصراع بدأ بتكشف عن حقائق جديدة لا تتوافق مع الشعارات المرفوعة.

لقد أدى كل ذلك إلى خيبات أمل كبيرة عن القطاع الأكبر الذي أيد هذا الاتجاه في البداية، وينسحب علاء من هذا التيار مدفوعاً بإخلاصه لفكره، ويعود ليبقى قريباً من الحزب الشيوعي السوري ويعمل بصفته محامياً إلى جانب المحامين الشيوعيين والتقدميين دفاعاً عن مصالح أناس العمل. بيد أن حياته الحافلة والمعاناة التي عاشها على امتداد سنوات قد أثقلا على جسده المنهك. وفي عام 1973 يفارق هذا المناضل الإنساني حياته عن عمر لا يتجاوز الـ38 عاماً.

إن غابة الإنسانية الزاهية، هي مؤلفة من أشجار غرستها حيوات الكثير من المناضلين عبر التاريخ، ومن بينهم هذا المناضل الذي يجب أن لا يطويه النسيان.

العدد 1105 - 01/5/2024