من بوابة خان شيخون… تحتفز* فرنسا كالثعلب!

أصبح اتهام الغرب لسورية باستخدام السلاح الكيميائي مسرحيةً رخيصةً، متكررةً ومبتذلةً، أخرج آخر مشاهدها وزير الخارجية الفرنسي جان- مارك إيرو؛ الذي حمّل، في 26 نيسان من هذا العام، الحكومة السورية مسؤولية حادثة خان شيخون. هذه الاتهامات جميعها، ساقها الوزير الفرنسي اعتماداً على تقريرٍ من إعداد استخباراته حول هذه الحادثة1. وهكذا، يبدو لكل متابعٍ أن حدة قلق هذا الغرب، على الإنسان وحقوقه في سورية، تصعد تارةًـ وتهبط أخرى، وفقاً لتطورات المسارين العسكري والسياسي في الأزمة السورية. والغريب في الأمر، هو إصرار المسؤولين الأوربيين والأمريكيين على تكرار هذه المسرحية، إلى درجة أن المواطن الأوربي والأمريكي نفسه بات لا يصدقهم فيما يقولون.

يتضمن تقرير الاستخبارات الفرنسية جوانب فنية وطبية وتكتيكية وعسكرية في تعاطيه مع حادثة خان شيخون. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للجوانب التكتيكية والعسكرية، إلا أنّنا سنركّز في هذه المقالة على الجوانب الفنية والطبية بشكلٍ خاص، نظراً للمغالطات الكثيرة التي ظهرت فيها. وقبل الخوض في مناقشة هذه النقاط المثيرة للجدل، لا بد من الإشارة إلى العنوان المريب لهذا التقرير: (الهجوم الكيميائي لـ 4 نيسان 2017 (خان شيخون)، البرنامج الكيميائي السوري السري)، وهذا ادّعاء غير مباشر بوجود برنامجٍ سريٍّ لتطوير الأسلحة الكيميائية في سورية؛ بالرغم من أن سورية تخلّصت من جميع أسلحتها الكيميائية، وهذا ما أكّده تقرير البعثة المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة (تقرير البعثة الأممية2) بتاريخ 23 حزيران 2014.

النقطة الأساسية، التي بنى عليها معدّو تقرير الاستخبارات الفرنسية استنتاجاتهم في اتهام الحكومة السورية، هي وجود الهكسامين في العينات البيئية التي جُمعت من منطقة خان شيخون، وفي (قذيفة لم تنفجر) في مدينة سراقب، احتُفظ بها منذ 29 نيسان 2013، على حد قولهم. فوفقاً لهذا التقرير، فإنّه يستخدم الهكسامين كمثبّت كيميائي في صناعة السارين، وهي الطريقة المتبعة في المخابر والمعامل السورية، والتي قام بتطويرها المختصون في مركز الدراسات والبحوث العلمية. ولو توقفنا عند هذه النقطة قليلاً، أي وجود الهكسامين، نظراً لأهميتها البالغة، يمكننا أن نسجّل الملاحظات التالية:

1-تؤكّد العديد من المراجع العلمية عدم وجود أي صلة للهكسامين، سواء في مدخلات التفاعلات أو في النواتج الثانوية للحفظ والتخزين، بإنتاج الأسلحة الكيميائية، وهو غير مُدرَج في لوائح معاهدة الأسلحة الكيميائية3.

2-إن تقرير البعثة الأممية نفسها أشار إلى وجود الهكسامين في العديد من العينات البيئية، التي جُمعت من مناطق زملكا والمعضمية والغوطة وغيرها، في عام 2013.

3-تُلمِح بعض المصادر إلى الانحلالية العالية للهكسامين في الكحول الإيزوبروبيلي (إيزوبروبانال)، الذي يدخل في إنتاج السارين. إلا أنه من الناحية التقينة لا يمكن استخدام هذه الظاهرة سوى في إنتاج سلاح كيميائي مزدوج (ثنائي السارين)، كما هو الأمر في القذيفة الأمريكية M687، وهذه الطريقة لم تُستخدم على الإطلاق في سورية.

أمام هذه الحقائق العلمية الواضحة يبقى السؤال، حول مصدر الهكسامين، مفتوحاً! وفي هذا السياق تجدر الإشارة، إلى وجود العديد من التطبيقات المدنية والعسكرية لهذه المادة الكيميائية، مثل: علاج التهاب المسالك البولية، إجراء الاختبارات البيوكيميائية في مخابر التحليل الطبي، إضافات غذائية، مضاد للصدأ في الدهانات، تصنيع حبوب الهكسامين شديدة الاشتعال التي تستخدم كوقود للطبخ في العديد من الجيوش، وأخيراً صناعة المتفجرات. وقد أغفل تقرير الاستخبارات الفرنسية هذه الاحتمالات والتساؤلات جميعها، في إصرارٍ مريبٍ وكذبٍ مفضوحٍ على اتهام الحكومة السورية باستخدام السلاح الكيميائي.

أما من الناحية الطبية، فلقد أشار تقرير الاستخبارات الفرنسية إلى تضيّق حدقة العين، عند الضحايا المفترضين، الذين جرى فحصهم في المستشفيات التركية. بالمقابل فإن الصور التي التُقطت للضحايا في مكان الحادثة تشير إلى اتساع حدقة العين، وهذا يتعارض مع أحد الأعراض الأساسية المعروفة جيداً للسارين.

وبالنظر إلى تقرير الاستخبارات الفرنسية من ناحيته الشكلية، ففي الفقرة الثالثة، نُفيت فرضية قيام إحدى الجماعات المسلحة باستخدام السارين، وأشير صراحةً إلى منظمتي داعش وهيئة تحرير الشام الإرهابيتين. وهذا كله مبني على حججٍ واهيةٍ؛ كانعدام الإمكانيات الفنية لصناعة السارين، وعدم توفر الطائرات لرمي القذائف الكيميائية من الجو. مع العلم أن منظمة داعش الإرهابية استخدمت الكلور والخردل في عامي 2015 و 2016 بشهادة التقرير الفرنسي نفسه. وهذه المحاولة لتبرئة الجماعات الإرهابية تعكس الصلات الوثيقة التي تربط هذه الأخيرة بالغرب، على الرغم من تصنيفها من قبلهم على أنها جماعات إرهابية. ولكن هذا الغرب عوّدنا على عدم احترامه للعهود والمواثيق، وإمكانية نكصها وفقاً للمصالح السياسية التي تقتضيها المرحلة الزمنية.

إضافة إلى ما سبق، فإن الفلم الذي بُثّ حول حادثة خان شيخون يثير تساؤلات كثيرة، مثل: طبيعة الحفرة التي خلفها الانفجار، الطريقة البدائية في جمع العينات، سلوك الناس في تلك المنطقة… الخ، ولقد طُرحت هذه التساؤلات من قبل العديد الخبراء في مناسبات مختلفة، مما يعزّز الفرضية القائلة بأن هذه الحادثة برمتها هي مجرد تمثيلية، أصبحت مكشوفة للجميع.

ولقد دعت روسيا وسورية والدول الصديقة الأخرى إلى إجراء تحقيق دولي محايد حول الحادث، إلا أنّ الدول الغربية تتهرب من ذلك دائماً، على الرغم من ثقتهم الكبيرة بصحة ودقة اتهاماتهم للحكومة السورية! فهم يدركون جيداً الفضيحة المدويّة التي ستنفجر وتهز مكانتهم. لذلك، هم مستعدون لتقديم التقارير الكاذبة، التي تتضمن معطيات متناقضة ومزوّرة حول الاستخدام المفترض للسلاح الكيميائي في سورية.

وهكذا، أصبح واضحاً لجميع المهتمين بالشأن السوري، أن الغرب يقوم باستغلال الملف الكيميائي السوري لتحقيق مكاسب سياسية، بعد الخسارة الكبيرة التي مُني بها عملاؤهم على الأرض، وخاصة بعد تحرير مدينة حلب وانعقاد مؤتمر أستانا، والسير باتجاه الحل الدبلوماسي للأزمة السورية. وبالنظر إلى توقيت إعلان وزير الخارجية الفرنسي، ندرك جيداً أن الهدف الحقيقي منه هو تعطيل الجهود الدبلوماسية الروسية في الجولة الرابعة من مفاوضات أستانا، والضغط عليها سياسياً وإحراجها أمام الرأي العام. إلّا أن جميع أطراف الأزمة السورية أصبح يدرك أنّه لا مفرَّ من التسوية السياسية من جهة، إضافة إلى المصداقية الكبيرة التي أصبح يتمتع بها ضامنو التسوية في سورية من جهة ثانية. لذلك فإن الإعلان الفرنسي الأخير لا يمثّل سوى محاولة بائسة جديدة تقوم بها فرنسا لحشر نفسها في الأزمة السورية، بعد أن فقد الغرب كل وسائله وأدواته في هذه الساحة، يظهر فيها جلياً حجم المكر والخباثة.

نضال حمد

————

الهوامش والمراجع

*احتفز: تضّامَّ وتداخل بعضه في بعض، كما يفعل الثعلب عند محاولته المرور بفتحة ضيقة.

1-يمكن الاطلاع على هذا التقرير، باللغتين الفرنسية والانكليزية، على موقع وزارة الخارجية الفرنسية على الرابط:

http://www.diplomatie.gouv.fr/fr/dossiers-pays/syrie/evenements/actualites-2017/article/attaque-chimique-en-syrie-declaration-de-jean-marc-ayrault-a-l-issue-du-conseil

2- تقرير البعثة المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة (21 آب 2013).

http://www.un.org/zh/focus/northafrica/cwinvestigation.pdf

3-انظر الرابط (بتاريخ 3 أيار 2017):

https://www.bellingcat.com/resources/2017/05/03/amines-and-sarin-hexamine-isopropylamine-and-the-rest/

العدد 1105 - 01/5/2024