معركة جوبر وعلاقتها بالجنوب السوري

في منتصف أيار من هذا العام أنهى الجيش السوري تمشيط حي القابون المحاذي لمدينة جوبر، مضيّقاً الخناق على (جبهة النصرة) و(فيلق الرحمن) والفصائل المسلحة المتحالفة معها في الغوطة الشرقية، وفي العشرين من الشهر نفسه أطلق الجيش السوري وحلفاؤه عملية واسعة من ثلاثة محاور، اثنان من مدينة جوبر والثالث من بلدة عين ترما.
انطلقت العملية بقصف جوي من سلاح الطيران السورية وغزارة غير مسبوقة من المدفعية، تبعها هجوم بري للجيش السوري على المحاور الثلاثة السابقة.
كما شمل الهجوم محيط بئر القصب وأراضي الروابي وتل رينبة ورجم الصريحي في الغوطة الشرقية. واتبع الجيش السوري خطة تتكون من عدة مراحل بشكل مشابه لما حصل في مدينة داريا، أكبر مدن الغوطة الغربية في وقت سابق.
وأدى الضغط الكبير الذي يتعرض له (فيلق الرحمن) إلى دخول عدوه اللدود (جيش الإسلام) على خط التعاون والتنسيق معه ضد الجيش السوري، رغم أن الطرفين مازالا يتصارعان عسكرياً حتى هذه اللحظة على منطقة حوش الأشعري.
كما اشتعلت المعارك العنيفة بين الجيش السوري و(جبهة النصرة) والفصائل المتحالفة معها في ريف القنيطرة، غير أن الهجوم هناك لم يحقق بعد مرور حوالي أسبوع من المعارك النتائج المرجوة منه، رغم أن هجوم (جبهة النصرة) قد تلقى دعماً عسكرياً مباشراً من الجيش الإسرائيلي، فقد قصفت مروحية للجيش الإسرائيلي أهدافاُ تابعة للجيش السوري، يعكس ذلك تخوف إسرائيل من أن مناطق التماس من سورية قد تتحول تدريجياً الى عبء استراتيجي على إسرائيل.
خاصة وأن إسرائيل ليست في أفضل أحوالها، فرغم أنها دولة مؤسسات إلا أنها تعاني من خلل عميق في بنيتها السياسية والعسكرية أخفاه الواقع العربي المُزري السائد حالياً.

حاولت الولايات المتحدة حليف إسرائيل الأول أن تغير من طبيعة التوازنات في شرق سورية وجنوبها، فضربت مطار الشعيرات الذي كان يشكل أكبر تهديد لتنظيم الدولة الاسلامية في البادية السورية ومحيط مدينة تدمر، ثم حاولت قطع كامل المعابر الحدودية السورية العراقية القريبة من التنف والمرشحة لالتقاء الجيش السوري مع الحشد الشعبي العراقي.
هذه المؤشرات في الاستراتيجية الأمريكية تجاه سورية تنبئ بتصعيد في الجنوب السوري عبر السماح لانخراط أكبر لدول الخليج وإسرائيل في الحرب السورية. ويمكن القول إنه رغم النجاح في استنزاف سورية إلا أن الفشل أصبح بادياً في تحقيق الغاية النهائية، وهي إقامة كيانات جغرافية ضعيفة، بعد سقوط حلب ثم الموصل أو كادت، بالرغم من النفير البشري والتسليحي واللوجستي الهائل للمجموعات المسلحة.

في تحليل معركة جوبر الحالية فإن فرضية انتهاز الجيش السوري لتوتر العلاقات الخطير الذي حصل بين قطر والمملكة العربية السعودية ودخوله في معركة يعرف أن خصميه فيها (جيش الإسلام) و(فيلق الرحمن) منقسمان وتابعان: الأول للعربية السعودية والثاني لقطر، تبقى ضعيفة وغير مؤثرة، ولا يمكن لنا إلا أن نؤكد ارتباط هذه الجبهة ارتباطاً وثيقاً بما يحصل في منطقة التنف ودرعا والقنيطرة، أو بالأحرى بما يحصل في كامل الجنوب السوري، حيث تأخذ معركة هذا الجنوب عموماً برأس حربتها منطقة جوبر سمة إعادة توازن القوى داخل الساحة السورية، بعد ظهور أفضلية واضحة للجيش السوري حققها خلال الأشهر الماضية.

 إن الحرب السورية منذ عام 2011 قد انطلقت أساساً من إرادة غربية بقيادة الولايات المتحدة بإنهاء الدور السوري في المشرق العربي الذي نشأ أساساً على الموقع الجغرافي لها، والذي أصبح خطراً مع التمدد الإيراني نحو البحر المتوسط.

إن كسر التوازن الذي تحقق لمصلحة الجيش السوري سينعكس لصالح التصعيد، والتخوف هو عودة النظام السوري إلى إعادة إنتاج نفسه مع دخوله بشكل وثيق في نظام المحاور بقيادة حليفه الروسي. هنا في هذه النقطة، في حال لم تتبنَّ روسيا مشروعاً سياسياً مستنداً إلى تطلعات القاعدة الشعبية الواسعة في سورية إلى ترسيخ التعددية السياسية والعدالة الاجتماعية، فإن صيغة وجودها في سورية ستتعرض للكثير من الانتقادات.

 

العدد 1107 - 22/5/2024