هيكازون بوياجيان حياة كرّست للنضال من أجل الشعب

 في تاريخ الحزب الشيوعي السوري الكثير من المناضلين والمناضلات الذين لعبوا دوراً مهماً في بناء عمارة الحزب، منهم من استمر في توهجه وعطائه حتى النهاية، ومنهم من توهّج لفترة تاريخية ثم انطفأ، وطواه النسيان، إلا أن هذه العمارة لم تكن لتبنى وترفع لولاهم، لولا تضحياتهم وبطولاتهم، ولولا ليالي الحرمان والتعب والمعاناة التي لقوها على هذا الطريق الصعب والشاق، وقد ساروا عليه باختيارهم، يحدوهم الأمل والثقة، بأن المستقبل سيكون أكثر إشراقاً وأكثر عدالة.

وعندما نتحدث عن تاريخه، عن البدايات، التي نظر إليها البعض آنذاك على أنها نزوة لمجموعة من الشباب، لن تلقى أي صدى لدى الشعب، ونظر إليها البعض الآخر على أنها مغامرة سيكون نصيبها الفشل، فإننا يجب أن نتحدث عن أناس حالمين، عن أناس استطاعوا أن يعوا نواميس التطور العالمي، وأن يفهموا أن العالم على أبواب تغير عظيم، بدأته ثورة مظفرة، جرت في بلد عظيم، افتتحت فيه الأبواب واسعة أمام كادحي العالم نحو مستقبل خالٍ من الظلم والاضطهاد، مستقبل عادل وحرّ.

عندما نتحدث عن البدايات لا نستطيع إلا أن نتحدث عن شيوعي ترك بصماته الواضحة على نضال هذه العصبة الصغيرة التي خطت الخطوات الأولى هذه الحركة، والتي كانت تحفر الصخر بأظافرها، لابد أن نتحدث عن هيكازون بوياجيان، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي في سورية ولبنان، وواحد من أكثر الشيوعيين شجاعة وأخلاقاً وتضحية.

ولد في أوائل القرن، وقد استقر في دمشق منذ بداية عام ،1928 وقاد تنظيم الحزب بدمشق إلى عام ،1931 وقد عمل معه آنذاك وبنشاط مناضلون آخرون مثل فوزي الزعيم وناصر حدة، وامتد نشاطهم ليصل إلى القلمون، وسيسجل تاريخ الحزب بأحرف من نور اسم هذا المناضل الذي لم يبخل بأي شيء من أجل قضية الكادحين في سورية ولبنان.

يروي عنه الماركسي علي الحلقي، الذي كان عضواً في الحزب لفترة معينة، أن هيكازون بوياجيان كان يشرف على فرقته الحزبية، ويتحدث عن نشاطه الذي لا يكل.

في عام 1925 وفي خضم الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي، يعقد الحزب مؤتمره الأول، أو التأسيس الذي صاغ مجموع من القرارات التنظيمية والسياسية والفكرية، وكان القرار الأول دعم الثورية السورية والاشتراك فيها، وطالب بتصفية الملكيات الإقطاعية.. ولقد حضر المؤتمر 15 مندوباً يمثلون حلب وأنطاكية واسكندرون وبيروت وزحلة ودمشق والجزيرة، وتشكلت لجنة مركزية من فؤاد الشمالي وأرتين مادويان وهيكازون بوياجيان واثنين آخرين، وانتخب الشمالي سكرتيراً للحزب.

في عام 1931 يعتقل هيكازون بوياجيان الذي كان يعمل على طباعة العدد الأول من جريدة الحزب (المنجل والمطرقة) ومعه خالد بكداش وشاد عيسى وغيرهما.. ويقدما للمحاكمة، حيث يبدي الشيوعيين جرأة أمام المحكمة، ويدافعون عن سياسة الحزب، وقد تركت هذه المحاكمة أصداء إيجابية واسعة آنذاك في صفوف الحركة الوطنية.. وعندما اقتادوهم إلى المحكمة العسكرية مشياً على الأقدام وهم مكبلون بالقيود، اقترح بوياجيان على رفاقه وكانوا قد وصلوا إلى ساحة المرجة المصطخبة بالناس، الجلوس على الأرض والهتاف بسقوط فرنسا وحياة سورية والحزب الشيوعي السوري. وقد نفذ الشيوعيون هذا الاقتراح، وكان ذلك أول إعلان عن الحزب، وقد جرت معاقبتهم نتيجة ذلك بالضرب والتنكيل.

في عام 1935 يفتتح المؤتمر السابع للأممية الشيوعية، ويحضره هيكازون بوياجيان، كعضو استشاري من الحزب الشيوعي في سورية ولبنان، إضافة إلى (رمزي) الاسم السري لخالد بكداش، و(نادر) الاسم السري ليوسف خطار الحلو، فيما بعد يلعب هيكازون دوراً هاماً في العمل على تعريب الحزب ودعمه بكل ما يستطيع من قوة، لقناعته العميقة بأن الحزب ومهما كانت جذوره قوية في الجالية الأرمنية في سورية، لن يكون له دور مؤثر إلا إذا انتشر في صفوف الأكثرية العربية، وكان موقفه هذا يمليه شعوره العميق بالمسؤولية تجاه مستقبل الحزب.

إن تاريخ هذا المناضل الإنساني الحالم بمستقبل أفضل للشعب السوري هو تاريخ مليء بالتضحيات، مليء بإنكار الذات، ومفعم بالشجاعة والإخلاص لمثله العليا، ولقضية الوطن والشعب، وسيبقى إرثاً للحزب يفتخر به، ويجب أن يحافظ عليه لأجل الأجيال الشابة، ويجب ألاّ يُنسى.

العدد 1105 - 01/5/2024