كي لا ننسى..مقبولة الشلق…رائدة من رائدات الحركة النسائية الديمقراطية

 كانت بصمات عهود الاحتلال العثماني الطويلة وتأثيراتها على الوضع الاجتماعي في سورية بارزة للعيان، وخصوصاً على وضع المرأة المنسية، التي كانت تعاني الأمرّين من تخلف الرجل الذي ورث من عهود الجهل والتخلف هذه الكثير، ومن المجتمع الذي كان ينظر إلى المرأة على أنها ضلع قاصر، وأن مهمتها الرئيسية في هذه الحياة هي ممارسة أعمال المنزل والإنجاب وتربية الأولاد.. ولقد كانت أسيرة هذا الوضع لقرون طويلة، فلم يكن يسمح لها لا بالتعلم ولا بالخروج من المنزل إلا بإذن من الأب أو الزوج أو حتى الابن.

في هذه الظروف الصعبة بالنسبة للبلاد وللمرأة على وجه الخصوص، وفي أسرة دمشقية عريقة ومتنورة ولدت طفلة، ستصبح فيما بعد رائدة من رائدات الحركة النسائية الديمقراطية، التي رهنت نفسها للنضال من أجل حقوق المرأة، والعدالة الاجتماعية.

مقبولة الشلق من مواليد عام ،1921 نمت وترعرعت في دمشق، وسمحت لها ظروفها العائلية الاستثنائية آنذاك أن تدخل المدرسة هي وشقيقتها فتحية، وكان عدد الفتيات اللواتي أتيحت لهن الدراسة قليل جداً. في ظروف الاستعمار الفرنسي القاسية بدأت مقبولة الشلق تتعرف تدريجياً على ظروف الحياة الصعبة التي يعيشها الشعب السوري، وعلى ظروف المرأة المجحفة والظالمة التي كانت تعاني منها.. ولقد هزّها بعمق البؤس والحرمان الذي كان الشعب السوري يعاني منهما.. وهي الفتاة المرهفة والحساسة، وكانت تتساءل مع عدد من رفيقاتها في المدرسة عن الأسباب، ولم يكن سنها آنذاك يسمح لها بمعرفتها، إلا أن هذا الواقع البائس الذي كانت تراه أمام عينها كان يسبب لها ألماً ممضّاً.

لم يتأخر الوقت كثيراً حتى جاء الجواب من شقيقها الأكبر العائد من فرنسا عام ،1936 والذي كان متشبعاً بالفكر الماركسي والاشتراكي، ومنذ ذلك الوقت كرست هذه الفتاة المتوقدة كل جهدها لنقل ما اقتنعت به إلى زميلاتها في المدرسة. كانت الوحيدة التي حملت هذه الفكرة في البداية، وفيما بعد اتسع نشاطها، وتوسعت حلقة معارفها، وكان تلقى التشجيع من أسرتها، وعلى الأخص شقيقها المتنور، وأخذت تساهم بحيوية في الفعاليات السياسية وأنشطة دمشق، وتدريجياً تبرز على نطاق الحركة النسوية والسياسية، وقد ألقت كلمة حماسية في إحدى الفعاليات المناهضة للاستعمار الفرنسي نشرت في جريدة (فتى العرب) التي كانت تصدر في دمشق، وقد شاركت في مؤتمر عصبة مكافحة الفاشية باسم طالبات التجهيز في دمشق.

بدأت أولى اجتماعاتها الشيوعية في نهاية عام ،1937 وكان يحضرها كما ذكرت فيما بعد نحو عشر فتيات دمشقيات تأثرن بالفكر الماركسي وقتذاك، منهن بدوية شمس الدين، أخت رشاد عيسى، وأم سليمان، وفلك الطرزي وشقيقتها فتحية.. كانت تلك الشيوعيات الأوائل ينشطن في جو اجتماعي صعب للغاية، بيد أن الحس الوطني كان أقوى من التقاليد، وتدريجياً بدأ المجتمع الدمشقي يألف رؤيته للفتيات يشاركن في المظاهرات المناهضة للاستعمار الفرنسي.. أخذ نشاط هذه الحلقة النسوية يتسع، وخصوصاً أنها عملت في البداية من خلال جمعية اليقظة الشامية، ثم ازدادت العلاقات والصداقة، وتنضم إليهن في هذه الفترة مناضلة قدمت الكثير للحركة الديمقراطية النسوية هي أمينة عارفة، التي اندمجت معهن في النشاط الحزبي بسرعة وقوة.

لا يمكن الحديث في هذه الأسطر القليلة عن جميع ما قدمته تلك المناضلات الأوائل في الحزب الشيوعي للحركة النسوية الديمقراطية، وفي دفع الوعي الاجتماعي للشعب السوري إلى الأمام، وعلى الأخص ما قدمته الشيوعية مقبولة الشلق، هذه الإنسانة الراقية والموهوبة، والممتلئة بالشعور بالواجب تجاه وطنها وشعبها، والتي تحملت من أجل ذلك الكثير والكثير من المشاق والتعب والتضحية.

إن ذكرى هذه المرأة التي سبقت عصرها، يجب أن تبقى حية في أذهان الأجيال الجديدة من النساء والرجال الذي يناضلون من أجل مستقبل أفضل للوطن.

العدد 1105 - 01/5/2024